في إطار الذكري ال 40 لحرب أكتوبر "حرب عيد الغفران" والتي قد بدت مختلفة هذا العام عن الأعوام السابقة فيما يتعلق بتناول الإعلام الإسرائيلي لهذه الحرب من نواحي عديده تشمل النظرة المصرية والعالمية لهذه الحرب حيث لم يقتصر الأمر هذه المرة علي مجرد إبراز بسالة وشجاعة الجندي الإسرائيلي وقدرته علي التعامل مع الأزمات وهو الأمر الذي ركز عليه الإعلام الإسرائيلي أيضا هذا العام بشكل مكثف علي غرار الأعوام السابقة ، قامت شركة "كيشت" والتي تعد من أهم مالكي حقوق البث في التلفزيون الإسرائيلي بإنتاج ثلاثة أفلام وثائقية تعرض مجريات هذه الحرب وهي "حرب بكاميرا منزلية - أربعون عاما علي حرب عيد الغفران " من إنتاج شركة الأخبار والفيلم الثاني هو "بيد قويه" فيلم "لحاييم إتجار" عن السيرة الذاتية لرجل الأعمال الإسرائيلي "موشيه ليفي" الذي قد شارك في هذه الحرب والفيلم الثالث هو "يوميات حرب" والذي قد تمت إذاعته علي جزئين ، الأول تحت عنوان "الطريق إلي سيناء" والثاني "تدمير الهيكل الثالث" . ومن الواضح والجلى أن الهدف من وراء ذلك هو التقليل من قيمة الإنتصار المصري في أذهان الأجيال الجديدة في المجتمع الإسرائيلي والتي لم تعاصر هذه الحرب ، وجعل الحرب مجرد عملية عسكرية كان الهدف منها هو إمتلاك موضع قوة يمكن من خلاله الدخول في مفاوضات مع إسرائيل وأنها لم تكن حربا بكل ما تحمله الكلمة من معني . يعود الفيلم الأول "حرب بكاميرا منزليه" إلي ذكريات حرب أكتوبرعن طريق مقاطع فيديو نادره قام بإرسلها جنود ومواطنين عايشوا هذه الحقبة ، وتعد هذه المقاطع توثيقا لحرب أكتوبر في الجبهة الداخلية وجبهة القتال علي حد سواء، فقد وقعت هذه الحرب في فترة يعد توثيق الأحداث فيها أمرا نادرا لقلة إستخدام وسائل التكنولوجيا المتقدمة في ذلك الوقت . الفيلم الثاني "بيد قوية" يروي قصة "موشيه ليفي" : مالتي مليونير إسرائيلي كان يعيش بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل ، حصل علي وسام البطولة من الدرجة الأولي من الجيش الإسرائيلي بعد إصابته الخطيرة في حرب أكتوبر وقيامة بقتل العدو ببسالة في قصة بطولية يصعب تصديقها. يعيد الفيلم تمثيل المعركة التي في أعقابها حصل علي وسام البطولة الذي لم يمنح إلا لثمانية جنود فقط في الجيش الإسرائيلي . أما الفيلم الثالث "يوميات حرب" فقد تطرق إلي الحرب ليس فقط من وجهة النظر الإسرائيلية ولكن أيضا من وجهة النظر المصرية والسورية وكذلك العالمية . تبدأ أحداث الفيلم بوفاة جمال عبد الناصر ووصول السادات إلي سدة الحكم وينتهي بعودة السادات من زيارته إلي إسرائيل وخطابه في الكنيست. من أهم الملفات التي تطرق إليها الجزء الأول من فيلم "يوميات حرب" ملف "أشرف مروان" الذي تمكن من خداع الأجهزه الأمنية في إسرائيل والذي تم إستخدامه كعميل مزدوج لإقناع إسرائيل بأن مصر لا تنوي الدخول في حرب ضدها . قال معلق الفيلم في هذا الصدد : كان لإسرائيل مصدر رفيع المستوي في أوساط القيادة المصرية قادر علي إمداد إسرائيل بوثائق هامة للغاية قد وقع عليها السادات بنفسه وهذا المصدر هو أشرف مروان . وعرض الفيلم لقطات لأشرف مروان بصحبة الرئيس السادات في مطار القاهرة أثناء عودة السادات من موسكو وقال المعلق واصفا المشهد : العلاقة بين أشرف مروان وإسرائيل بدأت قبل ذلك بثلاث سنوات في ربيع 1969 في لندن ، وقال رئيس الموساد في أوربا في معرض حديثه عن أشرف مروان : جاء شخص إلي سفاره إسرائيل في لندن - نتحدث هنا عن مروان - وطلب مقابلة أحد أفراد الموساد الإسرائيلي وهو الأمر الذى يعد بالمناسبة ظاهرة كانت وبالتأكيد ستظل قائمة في وقتنا الحاضر و في المستقبل نطلق عليها "متطوعي الإستخبارات". وقال معلق الفيلم موضحا ذلك : بالنسبه للموساد كان هذا العميل الجديد بمثابة ثروة كبيرة ، فبزواجه من إحدي بنات الرئيس جمال عبد الناصر إنضم مروان إلي طبقة الصفوة في مصر وبمرور الوقت أصبح أحد المستشارين المقربين من السادات . وعن هذا الملف تحدث "تسفيكا زامير" رئيس الموساد (1968-1974) قائلا : أدركنا في الموساد أهمية أن يكون مروان علي إتصال مباشر مع رئيس الموساد ، فقد كان لواء في الجيش وأكتشفت أنه كان يعرف إسمي ، وأدركت حينها أننى إذا أديت مهمتى علي نحو جيد سأنجح في الوصول معه من خلال المستويات التي كانت تهمنا إلي تفاهم إستراتيجي وسياسي . وقال عنه أيضا "افرهام ليفران" المسئول عن وحدة جمع المعلومات في هيئة الإستخبارات الحربية : كان مصدرا للمعلومات يمكن أن نطلق عليه " الحصول علي المعلومات من فم الحصان" (أي مصدرا وثيقا) وليس مجرد شخص يقول سمعت وقرأت أو رتبة صغيرة في الجيش بل يمكن القول أنه كان علي رأس الهرم ، ورغم ذلك لم يبلغهم بموعد الحرب إلا أنهم (في الموساد) كانوا واثقين من أنه سيحذرهم قبل إندلاع الحرب بعدة أيام فكانت هذه هي المأساة وهذا هو الخطأ الفادح . وفي تقرير نشر عن أشرف مروان بشأن ما ورد في هذا الفيلم قيل أن هناك الكثيرون في إسرائيل يتسألون مثل "ليفران" : هل كان مروان مجرد عميل مزدوج تم إعداده وتأهيله لخداع إسرائيل فيما يتعلق بتأهب واستعداد مصر للدخول في حرب مع إسرائيل ؟ وأشار التقرير أيضا إلي حقيقة أن جميع قادة إسرائيل علي حد سواء كانوا على يقين أن لديهم مصدرا ذو مصداقية سيقوم بتحذيرهم من كل ما يخطط له السادات ، الأمر الذي زاد من الشعور بنشوة الإنتصار الذي خلقته حرب 67 في أوساط قادة إسرائيل فقد كان مروان مصدرا إستخباراتيا هاماً للحصول علي المعلومات وكان يتمتع بمصداقية كبيرة من جانب "جولدا مائير" نفسها ، وذكر التقرير أن "مائير" دائما ما أعربت عن ثقتها في أن إمكانية أن يدخل العرب في حرب ضد إسرائيل ضعيفة للغاية. ويمكننا القول أن هذا الفيلم تطرق بإهتمام شديد لقضية أشرف مروان فقد كان هذا الرجل بمثابة جرس الإنظار الذي كانت تنتظره إسرائيل في حالة إقدام مصر علي الدخول في أى عمل عسكري وهو الأمر الذي لم يحدث علي الإطلاق ، وقد ساعدت الغطرسة الإسرائيلية والشعور بالتفوق العسكري من منطلق نظرية الجيش الذي لا يقهر " وهوالأمر الذي كان حافزا للرفض الإسرائيلي التام لفكره السلام أو حتي الدخول في مفاوضات" علي إبتلاع هذا الطعم . فدائما ما تكون الإستهانة بقدرات الخصم سببا رئيسيا في الهزيمة ، فقد كان التصور السائد لدي إسرائيل في ذلك الوقت أنها قادرة بشكل مطلق علي الحفاظ علي الوضع الراهن دون تغيير متجاهلة حقيقة أن التغيير هو طبيعة الحياة . والغريب أن الصورة التي أراد هذا الفيلم تشكيلها لدي المجتمع الإسرائيلي عن أشرف مروان أنه بالفعل كان جاسوسا وقدم خدمات كثيرة وجليلة لإسرائيل وأنه كان ينوي إبلاغ إسرائيل بموعد الحرب ويتضح ذلك مما قاله "تسفيكا زامير" رئيس الموساد في تلك الفترة أنه قبل إندلاع الحرب بفترة وجيزة أراد أشرف مروان أن يقابله بشكل عاجل وقال أيضا أنه كانت هناك كلمة سر متفق عليها فيما بينهما في حالة تأهب مصر للدخول في عمل عسكري لكنه لم يقل هذه الكلمة فتصور رئيس الموساد أنه مجرد لقاء بشأن معلومات سرية ذات أهمية كبيرة وكان بالفعل ينوي مقابلته لولا إندلاع الحرب ويعرب تسفيكا عن إعتقاده ان مروان كان سيبلغه بأمر ما يتعلق بالحرب . ومن هذا المنطلق كانت الإشارة إلي أشرف مروان في هذا الفيلم الوثائقي علي أنه كان بالفعل جاسوسا بالرغم من طرح الفيلم تسأولات عديدة حول حقيقة هذا الأمر . ربما كان الهدف من وراء ذلك هو خلق صورة سلبية داخل المجتمع الإسرائيلي عن شخص كان زوج إبنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكان من المقربين من الرئيس السادات . ومن الجدير بالذكر أنه رغم الأهتمام الذى اولته وسائل الإعلام الإسرائيلية لحرب أكتوبر هذا العام وسعيها إلي إبراز جوانب عديدة تجاهلها الإعلام الإسرائيلي بشأن هذه الحرب في السابق ، إلا أن الكثير من المحليين يرون أن هذا الطرح لم يختلف كثيرا عن الأعوام السابقة رغم ضخامة المادة الإعلامية ، وقد طرح" يائير اتينجر" تساؤلا في جريدة هأرتس : لماذا بعد-40 عاما سعي المنتجون في إسرائيل إلي عرض وجهة نظر مختلفة عن تلك الأحداث ؟ هل كنا ننتظر رقما مستديرا وكبيرا وعلي مدي واسع النطاق (الرقم 40)؟ ويري أيضا أن الذكري ال-40 تبدو كذكري نمطية وتقليدية لهذه لحرب كسائر الأعوام السابقة غير أنها هذا العام مثيرة للإكتئاب بعض الشئ .وكتب أيضا في هذا السياق : الذكري المستديرة كانت مليئة بعناوين عن فتح الأرشيفات ولكن دون أن تكون هناك رؤية جديدة ويبدو أن التليفزيون الإسرائيلي يفضل السير علي نفس النهج ولكن بجرعات دسمة.