المؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن صيف تركيا هذا العام سيكون أكثر حرارة مقارنة بالأعوام الماضية لأسباب لا تتعلق بالمتغيرات المناخية فحسب وانما لحالة المشهد السياسي المضطرب إثر الفشل الحاد في اختيار رئيس جديد للبلاد وما تبعه من انبعاث أزمة الهوية من جديد وما تلقيه من مخاوف عميقة في عودة الماضي القريب بظلاله علي الحياة السياسية بالبلاد بصفة عامة في استمرار واقع متخبط قد يفرض أو تضطر معه المؤسسة العسكرية الي التدخل لحسم الموقف برغم كل التحذيرات التي تتلقاها بضرورة التزام ثكناتها. وعلي الرغم من أن الأزمة مازالت مشتعلة بين طرفين لكل منهما وجهة نظر لا يرغب في التخلي عنها حتي يحقق مكاسب جديدة فوجئ الجميع بوقوع انفجار شديد هو الأول من نوعه في الحي التاريخي بالعاصمة أنقرة أسفر عن مصرع6 أشخاص واصابة100 آخرين وصف من قبل المراقبين بأنه الأخطر في التاريخ كونه في أنقرة تحديدا والتي لم تشهد من قبل حادثة من هذا النوع. كما وصفوه بأنه سيزيد من حرارة صيف تركيا الملتهب أصلا الأمر الذي دعا كل المسئولين الي زيارة موقع الانفجار بعد وقوعه بلحظات للوقوف علي أسبابه ومعرفة الحقيقة عبر عقد اجتماعات أمنية طارئة لمناقشة سبل الوقاية من العمليات الإرهابية المتوقعة علي ضوء المعلومات الاستخباراتية المتوافرة. وكان أبرز هذه الاجتماعات برئاسة عبدالله جول نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في اليوم التالي لوقوع الانفجار. واذا كانت أصابع الاتهام قد أشارت دون تردد الي مسئولية منظمة حزب العمال الكردستاني دون انتظار لإجراء تحقيقات فهذا أمر طبيعي استنادا الي أن نوعية المتفجرات من نوع أي 4 وهي متفجرات بلاستيكية مدمرة عادة ما تستخدمها المنظمة في هجماتها داخل تركيا. ومع هذا يبقي السؤال.. لماذا أقدمت المنظمة علي هذا العمل الإرهابي وما مغزي توقيته؟ وما أسباب اختيارها حي أولوس لتنفيذ هذا العمل؟ المتابع للشأن العام في تركيا يؤكد أن اختيار التوقيت والموقع تم بحرفية شديدة فالتوقيت وهو الساعة السادسة و45 دقيقة قصد منه إحداث أكبر قدر من الخسائر خاصة البشرية لأنه موعد خروج الموظفين من أعمالهم وفيما يتعلق بالموقع يشير المراقبون الي أن هذا الحي عادة ما يكتظ بالمواطنين باعتباره أحد أشهر الأحياء التاريخية والأكثر ازدحاما لأسواقه المتنوعة وانخفاض أسعاره مقارنة بالأسواق الأخري. أضف الي ذلك سببا آخر ذهبت إليه وسائل الإعلام المحلية عندما ألمحت الي أن رئيس هيئة الأركان يشار بيوكانيت ربما كان هو المقصود أو المستهدف الأساسي من وراء هذا الانفجار خاصة أنه وقع في نفس الطريق والتوقيت المقرر أن يمر فيه رئيس الأركان مع كبار المسئولين للمشاركة في فعاليات معرض صناعة الدفاع الثامنة إيه.ف2007 الذي تنظمه القوات المسلحة التركية برعاية وزارة الدفاع ويشارك فيه300 شركة من49 دولة في العالم, وألمحت الي ذلك تحديدا صحيفة حرييت اليومية واسعة الانتشار. وهذا يفرض بدوره سؤالا آخر يتعلق بدوافع منظمة حزب العمال الكردستاني لتنفيذ هذا الانفجار؟ هذا الأمر دفع صحيفة ميلليت الي القول إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية للقيام بمثل هذه العملية وتشمل *زيادة الحشود العسكرية التركية علي حدود العراق استعدادا لتنفيذ عملية عسكرية بشمال العراق ضد عناصر المنظمة *اضافة الي محاولات إعادة مشاركة حزب المجتمع الديمقراطي وهو الحزب الكردي الوحيد في تركيا من المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في22 يوليو المقبل * وأخيرا زيادة الادعاءات حول تسليم مجموعة من قيادات المنظمة الإرهابية الي تركيا. وهناك من أشار الي ضرورة النظر بعين الاعتبار الي البيان الذي أدرجه الجناح العسكري للمنظمة الانفصالية علي موقعها بالانترنت, وحملت فيه تركيا مسئولية العملية الانتحارية التي وقعت قبل عشرة أيام بالقرب من مركز الحزب الديمقراطي الكردستاني في بلدة مخمور بشمال العراق وأسفر عن مقتل50 شخصا, الأمر الذي جعلها تذكر في بيانها يجب ألا تعقد المفاجأة لسانكم غدا اذا وقعت انفجارات مشابهة في قلب العاصمة أنقرة ردا علي هذا الانفجار. والمعروف أن المنظمة بدأت منذ عام1984 حملة منظمة من أعمال العنف سعيا لاقامة دولة مستقلة للأكراد في جنوب شرق تركيا وأشار الي أنها تبدأ في تنفيذ عملياتها المسلحة عادة في فصل الربيع وتنسحب الي ملاجئها الجبلية في مواسم الشتاء بسبب البرد القارس في شرقي وجنوب شرقي البلاد وشهدت العديد من المدن التركية سلسلة من الانفجارات كان آخرها الانفجار الذي وقع بأحد الفنادق الضخمة قرب مدينة أنطاليا علي ساحل البحر المتوسط جنوب تركيا ولقي أحد السائحين الأجانب مصرعه. ما سبق دفع تركيا الي حالة استنفار أمنية خوفا من وقوع عمليات إرهابية مشابهة في ضوء المعلومات الاستخباراتية التي تشير الي أن المنظمة سوف تصعد من عملياتها في داخل تركيا ردا علي العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الأمن في جنوب شرق تركيا للقضاء علي الانفصاليين الأكراد خاصة بعد أن نقضت المنظمة الهدنة للقيام بعمليات موجهة في المناطق السياحية التركية المعروفة.