نقلا عن القبس الكويتية 15/06/07 طابور خامس، خونة، عملاء، انقلابيون.. هكذا يصف الناطقون بلسان حماس المسؤولين عن حرب الفصائل الدائرة في قطاع غزة. في حماس يتهمون 'تيارا خائنا' في حركة فتح، ويحذرون من ان محمود عباس 'لا يستطيع السيطرة عليه'، هم يقصدون محمد دحلان والمقربين منه. وبدورهم، يطرح أتباع عباس ادعاءات مشابهة، ويقولون إن هناك تيارا تآمريا داخل حركة حماس يسعى إلى تنفيذ انقلاب ضد مؤسسات السلطة الشرعية. كل طرف يتهم الآخر بالخيانة والتأثر بجهات خارجية تملي عليه خطواته وتحركاته. هنا يتهمون إيران وتيارات إسلامية أصولية، وهناك يتهمون الولاياتالمتحدة وإسرائيل. حسب رواية حماس فان فتح عملت على إفشال حكومة حماس المنتخبة ومن بعدها حكومة الوحدة الوطنية. وحسب فتح فان حماس تتشبث بالسلطة في غزة متجاهلة التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تسببت به، وتستخدم هذا الموقع كجسر لفرض سيطرتها الشاملة على منظمة التحرير الفلسطينية. سخرية القدر هي ان هناك بعضا من الحقيقة في اتهامات الجانبين بعضهما لبعض. فعندما يزداد عدد القتلى والجرحى نتيجة الاقتتال الداخلي الفلسطيني، ويتزايد الخوف من انزلاق المصادمات إلى الضفة الغربية، يصبح من الصعب ملاحظة حقيقة ان المعسكرين يعملان كمرآة يعكس كل منهما صورة الآخر من خلالها. المعسكران يحولان المواطنين الفلسطينيين إلى رهائن محكومين بالإعدام وسط حرب الشوارع التي يخوضانها ويضحيان بالكفاح المقدس من اجل تحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي على مذبح المنافسة الداخلية بينهما. ثمة قاسم مشترك واحد مهم بين الفريقين: ففي الوقت الذي يغيب فيه قادة فتح عن غزة، في الخارج أو في الضفة، لم يتخل قادة حماس عن جمهورهم. السيادة في غزة لمن؟ في حماس قرروا مؤخرا السيطرة على مواقع أجهزة الأمن الموجودة تحت قيادة 'الرئاسة' مدعين ان هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكنهم من إيقاف أعمال القتل التي يرتكبها 'التيار الخائن'، لكن السيطرة هي في الواقع إعلان عن الجهة السيادية الحقيقية في غزة، لذلك تسير حماس في أعقاب ياسر عرفات الذي تفاخر بأجهزته شبه العسكرية التي سمحت له إسرائيل بإقامتها واعتبرها كوشان السيادة. السلاح الذي كان بيد أجهزة عرفات، ومظاهره العسكرية والعلاقات الودية الدافئة التي نشأت بين قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية - حتى عندما خلعوا زيهم الرسمي وتحولوا إلى شركاء في التجارة والاقتصاد - لم توقف تحويل عملية أوسلو إلى مشروع حثيث للبناء في المستوطنات وتقليص المساحة المتبقية للفلسطينيين. بعد اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000 - عندما كانت شعبية في بدايتها، إلى ان اختطفت على يد عبادة الكفاح المسلح - غذت الأسلحة والمظاهر العسكرية سياسة إسرائيل في تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية. وبعد إقامة حكومة حماس واصل عباس طلب الموافقة الإسرائيلية والأميركية، واستطاع إدخال السلاح إلى القطاع. جدوى هذا السلاح المحدودة تظهر أمامنا هذه الأيام. أجهزة فتح ضعيفة، ليس بسبب النقص في السلاح وإنما لان الحركة، التي خيبت الآمال في أوسلو عندما وعدت بالاستقلال السياسي، لا تقدم للفلسطينيين أي خطة عمل جديدة في مواجهة المحتل الإسرائيلي. حكومة حماس صرحت، كانعكاس لحركة فتح، بانها تستطيع تمويل رواتب القطاع العام. ولكنها وجدت مصادر لتمويل السلاح الكثير المهرب إلى قطاع غزة والمشترى في الضفة الغربية. الآن ستكون لديها سيطرة 'عسكرية' كاملة على قطاع غزة. فهل ستوفر هذه السيطرة الرفاه ل 1.4 مليون فلسطيني من سكان غزة؟ هل ستحسن الجهاز الصحي وتضمن فرص العمل لخريجي الجامعات؟ هل سترفع الحصار البحري والبري الذي تفرضه إسرائيل على غزة؟ الاعتقاد السائد هو ان السيطرة العسكرية على رموز 'سيادة' عباس ستستخدم من قبل إسرائيل كذريعة حاسمة لقطع ما تبقى من العلاقة المدنية والاقتصادية بين غزة والضفة بصورة نهائية، هذه العملية السياسية التي شرعت إسرائيل فيها منذ عام 1991، ذلك لان حماس على غرار صورتها الانعكاسية، فتح، لا تملك أي خطة عمل ملموسة للكفاح من اجل الاستقلال والتحرير، ليس في العالم الآخر وإنما في هذا العالم.