تعيش بلجيكا يوما تاريخيا مع اعتلاء الملك فيليب العرش ليصبح العاهل السابع في تاريخ هذه المملكة التي تتبع نظاما ملكيا دستوريا وراثيا ، وسط اجواء تسودها شكوك كبيرة حول مستقبل بلد منقسم وضعيف. وفي حفل نقله التلفزيون البلجيكي مباشرة من القصر الملكي في بروكسل، وفي حضور اعضاء الحكومة والسلطات التشريعية ووسط مراسم غلب عليها الطابع العاطفي, وقع ملك بلجيكا ألبرت الثانى اليوم الأحد 21 يوليو 2013 وثيقة تخليه عن العرش, ليصبح ابنه الأكبر الأمير فيليب الملك السابع للبلاد. وكان الملك قد أعلن في خطاب مفاجئ للأمة قبل أسبوعين إنه سيتنازل عن العرش لابنه الأكبر الأمير فيليب نظرا لأن عمره وصحته لا يسمحان له بأداء واجبه كما يود، وقال ألبرت :"بعد حكم دام 20 عاما,أشعر أن الوقت قد حان لأن أنقل الشعلة للجيل المقبل"وسيتخلى الملك عن العرش في الوقت الذي تحتفل فيه البلاد بعيدها الوطني. وقال ألبرت لوريثه خلال مراسم التنازل :"فيليب , انت تمتلك جميع الملكات القلبية والعقلية لخدمة بلادنا بشكل جيد من خلال مسؤولياتك الجديدة .. أنت وزوجتك العزيزة ماتيلدا تتمتعان بكل ثقتنا". وأثنى الملك المتنازل عن العرش على رئيس الوزراء البلجيكي إيليو دي روبو, كما شكر ألبرت زوجته الملكة باولا على دعمها له وبعد ذلك , عانق ألبرت نجله الأكبر , لتدمع أعين ماتيلدا تأثرا بالموقف، وقال دي روبو للملك ألبرت :"برأس مرفوعة عاليا وواجب أنجزته على أكمل وجه , تطوي اليوم صفحة مهمة في تاريخ بلادنا". وقد تنازل الملك البير الثاني، ملك البلجيك منذ عشرين عاما منذ وفاة شقيقه بودوان في 1993، تنازل طواعية عن العرش لابنه البكر فيليب الذي سيصبح الملك السابع في تاريخ بلجيكا بعد حلف اليمين الدستورية امام مجلسي البرلمان مجتمعين حيث يقوم النظام الملكي على اعتلاء البكر ايا يكن جنسه ذكرا ام انثى العرش بالوراثة منذ العام 1991. وتحكم الاسرة الملكية في بلجيكا منذ انشاء المملكة في 1831 وانتخاب الامير الالماني ليوبولد لساكس-كوبورغ-سالفيلد ليصبح ليوبولد الاول. وسيجلس العاهل البلجيكي على العرش لكن بدون تاج ولا صولجان اللذين يعتبران من الخصائص الملكية الرمزية غير المعروفة في بلجيكا، وفي الصف الاول ستجلس زوجته ماتيلد واولاده الاربعة بينهم ابنته البكر اليزابيث التي ستصبح قريبا في سن الثانية عشرة الاميرة الجديدة وريثة العرش. وبعد اداء القسم سيظهر الملك الجديد وزوجته على شرفة القصر قبل ان يحضرا العرض العسكري التقليدي، حيث يصادف اليوم العيد الوطني للبلاد، ويلتقيا الحشد وسط عروض يتوقع ان يحضرها مئات الاف الاشخاص في وسط بروكسل. وفي بلجيكا ينص الدستور على أن الملك يرعى البلاد ولا يحكمها ولكنه يتمتع بمكانة فريدة من نوعها لأنه رسميا من أصل ألماني لا ينتمي لأية طائفة بلجيكية ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي أي أنه الحكم الفعلي بين مختلف مكونات البلاد. و قد اعلنت الحكومة البلجيكية ان مظاهر الاحتفال ستكون متواضعة بسبب تداعيات الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد وتجنبا لإثارة إشكاليات مع الطائفة الفلمنكية التي تطالب بربط الأحزمة والحصول على مزيد من الصلاحيات وتقليص السلطات الملكية. وعشية اليوم الكبير لم تشهد العاصمة اي مظاهر حماسية معينة باستثناء "الحفل الراقص الوطني" الذي شارك فيه الملك ونجله مع زوجتهيما مساء السبت، بعيدا عن الحشد الذي تدفق الى هولندا نهاية نيسان/ابريل اثناء اعتلاء الملك الجديد فيليم-الكسندر العرش. ولم يدع اي من الملوك او القادة الاجانب الى الاحتفالات والشخصية الوحيدة الحاضرة ستكون رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو. ويأتي تسلم الملك الجديد فيليب للعرش قبل أشهر من استحقاق انتخابي مصيري العام المقبل للبلاد ووسط سعي القوميين الفلمنكيين بزعامة بارت ديوفر مسؤول الحزب القومي الفلمنكي لانتزاع مزيد من الصلاحيات لصالح مقاطعة الفلاندر الشمالية والثرية. ومع اقتراب موعد هذة الانتخابات التشريعية في 2014 التي يتوقع ان يسجل فيها الاستقلاليون الفلمنكيون تقدما جديدا، يبدو ان غالبية البلجيكيين كانوا يفضلون ان يبقى الملك المسن على العرش بالرغم من تراجع صحته. والملك الجديد الذي كان من الممكن ان يخلف عمه الملك بودوان على اثر وفاته فجأة في 1993، لم يعتبر انذاك جاهزا للاضطلاع باعباء هذا المنصب وبعد عشرين سنة ما زال الشك قائما بسبب بعض تصريحات غير ملائمة واستمرار عدم شعوره بالارتياح امام الجمهور. وسيكون بامكانه الاعتماد على الدعم الفاعل لماتيلد لما تتمتع به من شعبية وكفاءة وجاذبية منذ زواجهما في 1999. وستصبح وهي في الاربعين من عمرها اول ملكة من اصل بلجيكي في تاريخ البلاد. وفي خطابه الوداعي للامة السبت ذكر البير الثاني ماتيلد مع فيليب طالبا من البلجيكيين ان "يحيطوا" الملك الجديد وزوجته ب"تعاونهم الفعال" و"دعمهم". وقال "انهما يشكلان ثنائيا ممتازا لخدمة بلادنا"، كما اطلق نداء من اجل "صون لحمة" بلجيكا. وتعتبر الملكية اخر رموز وحدة البلاد التي اصبحت دولة فدرالية على وقع الازمات السياسية المتلاحقة خلال السنوات الاربعين الاخيرة. وفيما يؤيد الجنوب الفرنكفوني للبلاد النظام الملكي فانه موضع تشكيك في الشمال الناطق بالهولندية خصوصا من قبل دعاة الاستقلال في "التحالف الفلمنكي الجديد"، الجمهوريين مبدئيا او انهم على الاقل من انصار نظام ملكي بروتوكولي محض. وهذا ما برز هذا الاسبوع اثناء الزيارات الرسمية الاخيرة للثنائي الملكي، فقد استقبل البير وباولا في اجواء لامبالاة تقريبا من قبل مئات الاشخاص في "جاند" ثاني مدن الفلاندر فيما لقيا الترحاب من قبل الالاف في "لييج" بمقاطعة فالونيا اثناء زيارة تميزت بمشاعر التأثر والدعوات الى وحدة البلاد. وشهد حكم البير الثاني ازمات سياسية عدة خصوصا بعد الانتخابات في 2010 حيث امضت الاحزاب 541 يوما، وهي مدة قياسية، لتشكيل حكومة وقد لعب الملك دورا كبيرا للخروج من الازمة. وتنازل ألبرت عن العرش هو الثاني في أوروبا هذ العام بعد أن تنازلت ملكة هولندا بياتريكس عن العرش في نيسان/أبريل الماضي بعد حكم استمر 33 عاما لتسير بذلك بلجيكا خطوة باتجاة ان تصبح وريثة العرش امراة حيث تبلغ ابنة فيليب 11 عاما وتستعد لتصبح بعد عاما واحد هي الوريثة الشرعية للعرش البلجيكي.