رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    رسميا بعد الهبوط الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 23 أغسطس 2025    تشيلسي يكتسح وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي الممتاز    محمد الشناوي خارج مباراة الأهلي وغزل المحلة.. هاني رمزي يكشف السبب    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    وزير الدفاع الإيراني: صواريخ جديدة برؤوس حربية متطورة لم تُستخدم في حرب ال12 يومًا    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    تشيلسي يدمر وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي.. فيديو    الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد أهداف في تل أبيب    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    أمم إفريقيا للمحليين - المليوي يقود المغرب إلى نصف النهائي.. ومدغشقر تقصي كينيا    فالنسيا من قمم المجد إلى هاوية النسيان.. حين تقودك الإدارة إلى اللعنة    تقرير: ليس فينيسيوس فقط.. أنشيلوتي يستبعد رودريجو من قائمة البرازيل    محمود وفا حكما لمباراة الاتحاد والبنك الأهلى والسيد للإسماعيلى والطلائع    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    ميرهان حسين جريئة وليلى علوي بإطلالة شبابية.. لقطات نجوم الفن في 24 ساعة    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    الزمالك يواصل استعداداته لمواجهة فاركو بتدريبات استشفائية وفنية    محمد طاهر: الكرة من أفضل أدوات التسويق ورعاية للزمالك لدعم الأندية الشعبية    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    رئيس جهاز القرى السياحية يلتقي البابا تواضروس الثاني بالعلمين (صور)    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر سلامة: ولما كان الثلاثون من يونيو
نشر في أخبار مصر يوم 14 - 06 - 2013

قلت لأحد الزعماء السياسيين البارزين من أقطاب المعارضة في المرحلة الحالية: أخشى ما أخشاه أن يحترق البلد في ذلك اليوم الموعود الثلاثين من يونيو, فلدينا نحو مائة ألف مسجل خطر, ولدينا ضعف هذا الرقم أكثر خطرا, لكنهم غير مسجلين, وهؤلاء وأولئك هم أداة إشعال النيران في مثل ذلك اليوم, سواء لإشباع رغباتهم, أو لحساب آخرين, فكان الرد: إذا كان ثمن إسقاط الإخوان هو حرق البلد, فماذا يمنع؟!..
انتهى.
وسألت أحد أقطاب الإخوان: ما رد الفعل إذا نجحت المخططات الحالية في إسقاط النظام, أو الإطاحة برأس النظام؟, فكانت الإجابة: إذا كان الرئيس الحالي قد استمر في الحكم عاما كاملا, فأنا أؤكد أن الرئيس القادم لن يستمر شهرا, هذا إذا استطاع دخول قصر الرئاسة من البداية!.. انتهى.
إذن.. نحن أمام أزمة ليست ككل الأزمات, هي ليست أزمة سياسية بقدر ما هي أزمة بلطجة, وليست أزمة دولة بقدر ما هي أزمة أشخاص, وليست أزمة وطن بقدر ما هي أزمة أيديولوجيات, وليست أزمة المصلحة العامة بقدر ما هي أزمة فرض إرادات, والضحية في النهاية هي الدولة المصرية, بمواطنيها الطيبين, الذين لا حول لهم ولا قوة, في ظل مجموعات أتخمت بالمال والسلاح في آن واحد.
هذه هي الحقيقة.. الدولة المصرية أصبحت رهنا بعصابات أطلقت على نفسها مسمى القوى السياسية, وأصبحت رهنا بمتآمرين أطلقنا عليهم القادة السياسيين, وأصبحت رهنا بأطفال شوارع ومشردين أطلقنا عليهم حركات ثورية وائتلافات شعبية, وأصبحت رهنا بمسلحين ومتطرفين أطلقنا عليهم تنظيمات جهادية.. وفي الحقيقة فإن مصر براء من كل هؤلاء وأولئك, أو هكذا يجب أن تكون.
الكرة الآن أيها السادة في ملعب الشعب- كل الشعب- الذي يجب ألا يسمح تحت أي ظرف, ولأي سبب, بحرق البلاد, لمجرد أن هناك طامعين في كرسي الحكم, والشعب كل الشعب يجب أن يتصدى لمثل هذه المؤامرات, والشعب كل الشعب مطالب بالدفاع عن مستقبله, ومستقبل أبنائه, والشعب كل الشعب مطالب بالخروج من حالة السلبية إلى قمة الإيجابية وذلك حينما يتعلق الأمر بوطن قد يتحول إلى رماد بين ليلة وضحاها, فالمحرضون, كما البلطجية, قد هان عليهم وطنهم, والفاسدون, كما الانتهازيون, قد غلبوا مصالحهم على المصلحة العامة للوطن, والمتآمرون من الخارج, كما الممولون في الداخل, لا يعنيهم ما يمكن أن تؤول إليه أوضاع البلاد والعباد, وهو الأمر الذي يحتم أن تكون الكلمة الأخيرة للشرفاء من أبناء هذا الشعب الذين يجب أن يرفضوا بالقول والفعل معا كل هذا الهراء الدائر على الساحة الآن.
أجد أن الشرفاء من هذا الشعب, وهم الأغلبية الكاسحة بلا جدال قد فوضوا السلطات الأمنية ممثلة في القوات المسلحة والشرطة في الدفاع عن الوطن, وعن مقدراته, وعن ممتلكاته الخاصة والعامة, بدعم شعبي واضح يجب أن يتمثل في الأمور التالية:
إعلان القوات المسلحة رسميا, وعلى لسان شخص وزير الدفاع, أنها لن تقف مكتوفة الأيدي حين يتعلق الأمر بحرق أو نهب أو سلب أو تخريب من أي نوع.
إعلان وزارة الداخلية أنها سوف تحمي الشعب وممتلكاته, ومنشآت الدولة بكل ما أوتيت من قوة, وسوف تتصدى لأي فوضى من أي فصيل.
إعلان موقف موحد للأحزاب السياسية تتبرأ فيه من أي أعمال تخريب أو تدمير لأي منشأة كانت, وأنها سوف تنسحب من الشارع فورا في حالة وقوع مثل هذه الأحداث.
الموقف نفسه يجب أن يصدر عن كل النقابات المهنية والعمالية, والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها, السياسية والدينية, ناهيك عن الأزهر, والكنيسة, ووسائل الإعلام.
فما هو معلوم..
أن التظاهر السلمي حق لكل مواطن, والتعبير عن الرأي لم يعد هناك مجال للنيل منه, ومواقع التجمعات أصبحت واضحة للعيان, أما أن يمتد الأمر إلى الخروج عن القانون بقطع طرق, أو تعطيل وسائل مواصلات, أو منع المواطنين من الذهاب إلى أعمالهم; فهو إذن مسئولية أجهزة الدولة الرسمية, وليس مقبولا أبدا أن تصدر تلك التصريحات المبكرة من هذه الأجهزة بعدم الوجود في الشارع, أو الانسحاب من أداء الواجب تحت أي ظرف, وإذا لم تحترم هذه الأجهزة القانون والدستور, فلن يحترمها أحد في
المستقبل, وحين ذلك نكون قد عدنا إلى نقطة الصفر: لا ضابط ولا رابط, ولا رقيب ولا حسيب.
وإذا كان هناك كائن يمكن أن يتصور في حالة الغياب الأمني أنه أو أسرته أو عشيرته بمنأى عن الضرر فهو واهم, وإذا كان هناك بين قادة هذه الأجهزة من يتصور أن السلبية يمكن أن تقيه المساءلة في المستقبل فهو واهم, ولنتذكر هنا أن رئيس البلاد السابق يحاكم الآن بتهمة السلبية, أو الامتناع, ولنتذكر أيضا أن حالة الغياب الأمني على مدى عامين قد طالت آثارها الكثير من هؤلاء وأولئك, الذين كانوا يتصورون أنهم خارج دائرة الضرر, ولنا في الشقيقة سوريا العبرة والعظة, فقد أصبح نصف الشعب مشردا خارج الوطن, والنصف الآخر يرى الموت بعينه على مدى الساعة, وها نحن نقترب الآن من هذه الحالة بقول أحد الفاعلين على الساحة: لو مات منا مائة ألف شخص دفاعا عن الشرعية فنحن لها, وقول أحد المناوئين أيضا: إننا لن نغادر الشارع إلا بعد إسقاط النظام!
نحن إذن أمام كارثة من صنع أيدينا, حتى إذا كان هناك داعمون لها من الخارج, وأمام خطر أراه محدقا مازالت الفرصة سانحة لتداركه, إلا أن ذلك أيضا يتطلب تدخلا سريعا من القيادة السياسية بإعلان عدة أمور أيضا, أهمها:
مصارحة الشعب بالوضع المالي والاقتصادي للدولة, وخطة الحكومة للخروج من هذا النفق المظلم بتوقيتات زمنية محددة.
تحديد موعد الانتخابات البرلمانية, التي يجب أن تكون الأساس في أي تغيير, حتى يظل الصندوق هو صاحب القول الفصل في تطور الحياة الديمقراطية, كباقي دول العالم المتحضر.
المصالحة الشاملة مع رموز النظام السابق بدءا من رأس هذا النظام مادامت القضايا لا تتعلق بالدم.
بدء اتخاذ الإجراءات التنفيذية لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية مع القوى السياسية التي دعا إليها الرئيس قبل عدة أيام.
وأعتقد..
أنه إذا خلصت النيات فسوف يكون مثل هذا المؤتمر بمثابة بداية لنزع فتيل الأزمة, يعقبه تنفيذ سريع لما يصدر عنه من توصيات أيا كانت, ولا يعقل في مثل هذه الظروف أن يمتنع أحد ما, أو فصيل ما, عن المشاركة, كما لا يعقل أن تكون هناك مطالب خارج الشرعية والقانون يمكن أن تفجر المؤتمر مبكرا, أما إذا كان هناك من يراهن على الحصول على مكاسب من خلال ما يحاك بأمن البلاد في الثلاثين من يونيو
فهو رهان خاسر, وذلك لأن مصر لن تكافئ أبدا من تآمر عليها يوما ما, كما أن التاريخ لا يمكن أن يغفر أبدا لمن أضمر شرا لمصر وأهلها, ومن هنا, فإن طاولة الحوار يجب أن تكون الملاذ مما نحن فيه من أزمات طالت الأسرة المصرية على اختلاف مشاربها, حيث أصبح الحديث ينحصر الآن حول تخزين المواد الغذائية, ومغادرة المدن إلى الريف والمنتجعات, وكأننا على أبواب حرب غاشمة قد لا تبقي ولا
تذر!
يجب أن نعترف..
بأن هناك أخطاء شابت الممارسة السياسية الرسمية في البلاد خلال العام المنصرم, إلا أننا لا يجب بأي حال أن نعفي القوى السياسية الأخرى من المسئولية, فلقد كانت بمثابة المعوق وليس الداعم لأداء الحكومة طوال الوقت, وقد حققت أهدافها إلى حد كبير, وليس أدل على ذلك من عدد حالات قطع الطرق, أو تعطيل العمل, بل إنها زايدت أيما مزايدة حين تعلق الأمر بوضع خارجي على قدر كبير من الخطورة كالسد الإثيوبي, وقرض صندوق النقد الدولي, وغيرهما من القضايا, وهو الأمر الذي يتحتم معه اعتراف
الجميع بأخطائه, حكومة ومعارضة, إذا أردنا أن نبدأ صفحة جديدة من العمل الوطني الجاد والمشترك, من خلال كل أبناء مصر المخلصين, دون النظر إلى أيديولوجيات, ودون التوقف أمام انتماءات, وخاصة أن المرحلة تسع الجميع, بل هي في حاجة بالفعل إلى الجميع.
وما تجدر الإشارة إليه هنا, هو أن المشهد الداخلي لدينا قد حقق تطورا أو تقدما ملحوظا في العديد من الاتجاهات, وخاصة فيما يتعلق برفع الأجور, والمعاشات, أو تثبيت المؤقتين, أو تعيين العاطلين, أو توفير السلع والمواد الغذائية, على الرغم من حالة الركود, وأوضاع التوتر والقلاقل التي كانت تمر بها البلاد, كما حقق عودة مقبولة إلى حد ما لمستوى الاستثمارات, أو السياحة, وتوفير الخبز, والغاز, والعملة الصعبة, ناهيك عن البدء في إنشاء العديد من المشروعات الضخمة, والصغيرة في آن واحد, وإعادة تشغيل النسبة الأكبر من المشروعات أو المصانع المعطلة, إلا أن كل ذلك قد تواري خلف انقطاع متكرر للكهرباء, التي نأمل في تصحيح أوضاعها خلال فترة زمنية وجيزة, من خلال خطط طويلة المدى, وليس من خلال حلول جزئية لم تعد ترقى لطموح المواطن في المدينة والقرية على السواء.
إلا أنه.. يجب الأخذ في الاعتبار أن ذلك لن يتأتى بغير استقرار سياسي, ويكفي أن نشير هنا إلى أن سوق الأوراق المالية قد حققت خسائر خلال أسبوع واحد فقط بلغت نحو 35 مليار جنيه, جراء الشائعات التي سبقت الثلاثين من يونيو, وجراء قلق ومخاوف المتعاملين بالسوق من أحداث متوقعة في مصر خلال الأسابيع المقبلة, كما يكفي أن نشير إلى أن كل الحجوزات السياحية في مصر قد ألغيت خلال تلك الفترة,
وما قبلها, وما بعدها, في الوقت الذي بدأت فيه معظم العواصم تحذير مواطنيها من السفر إلى مصر, بل إن المصريين في الخارج أيضا أصبحوا يترددون في قضاء عطلتهم الصيفية في وطنهم مصر, ولم لا؟, وهو بلد غير آمن, ولم لا؟, وهو وطن بلا مستقبل, ولم لا؟, وهناك إصرار من النخبة الفاعلة على إسقاطه!.
ومن هنا, فقد يكون من الأجدى الآن تشكيل لجنة دائمة من عقلاء الأمة, تضم شيخ الأزهر, والبابا, ونقيب الأشراف, ورئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية, ومفتي الجمهورية, ورئيسي المحكمة الدستورية والنقض, ووزيري الدفاع والداخلية, ورئيسي حزبي الوفد والنور, وبعض الشخصيات العامة, تنحصر مهمتها في الاحتواء السريع للأزمات, وتتبنى الخروج بصيغ توافقية من خلال مبادرات تنزع الفتيل, وتكون ملزمة لجميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي, وإلا فإن مصر تكون قد نضبت من الوطنيين الأحرار, أو هكذا بدت الأوضاع حتى الآن, وهو ما يحتم الإسراع بهذه الصيغة التي قد تشكل المخرج الوحيد من المأزق الراهن الذي سوف يجد فيه العابثون بأمن الوطن غايتهم.
على أي حال..
ورغم هذه الصورة القاتمة, فإن الرهان على شعب مصر لا يمكن أبدا أن يكون خاسرا, والرهان على ذكاء شعب مصر لا يمكن أبدا أن يكون مخيبا, كما أن الرهان على قدرة المصريين على التفريق بين الخير والشر, وبين الغث والثمين كان دائما وأبدا إيجابيا, وإلا لما عبرت مصر وعبر المصريون مراحل كانت أصعب بكثير من المرحلة الحالية, سواء قبل الثورة أو بعدها, وهو ما يجعلنا نثق في أن ما يحدث هو مجرد سحابة صيف عابرة, سوف نتداركها قبل الثلاثين من يونيو, أو نتجاوزها خلال التاريخ نفسه الذي سوف يكون من الماضي, وما علينا إلا أن نتعاهد على أن نسطره بأحرف من نور, بما يتواءم مع حضارة المصريين عبر سبعة آلاف عام, وبما يتوافق مع طبيعة شعب لم يكن للعنف مكان في أي من قواميسه الاجتماعية والسياسية والثقافية, وإن هي إلا قلوب قد صدئت بأقفالها, وما بكثير على الله أن يفرج كربتها.
وزير الثقافة..
أعتقد أن الأزمة التي تمر بها وزارة الثقافة الآن منذ تعيين الوزير, الذي لا أعرفه, ولا أتذكر اسمه وقت كتابة هذه السطور; هي أكبر دليل على أن الفساد قد استشرى في مجتمعنا إلى الحد الذي يستحيل إصلاحه, فالقاصي والداني يدرك أن الفساد كان قد نخر في أوصال هذه الوزارة على جميع مستوياتها, العليا والدنيا على السواء.
ومن حق أي وزير, كما أي رئيس عمل محترم, أن يسعى جاهدا إلى استئصال ذلك الفساد, سواء بوقف نزيف المكافآت غير المبررة, التي استمرت بعد الثورة وحتى الآن, أو استبعاد المستشارين والمنتدبين الذين لا مبرر لوجودهم أو هكذا يرى ويحصلون أيضا على مبالغ طائلة, كما أن من حقه أن يعيد هيكلة الوزارة إداريا بالطريقة التي يراها صالحة, وإلا أصبح "خيال مآتة" في موقعه.
الوزير الجديد لم يأت على أي عمل ثقافي, كما لم يتدخل حتى الآن في أي نشاط له علاقة بالثقافة, كما لم يوقف أي فعالية في أي موقع, كما لم يدل حتى برأيه في الشأن الثقافي, بل إن الموازنة العامة للدولة, التي تتم مناقشتها الآن في مجلس الشورى, قد أقرت كل مخصصات وزارة الثقافة بدءا من فنون الباليه والمسرح, وحتى القصور الثقافية بالمحافظات.
إلا أن مراكز القوى, وما أكثرها في الشأن الثقافي, استطاعت من خلال السيطرة على وسائل الإعلام, المتحفزة أساسا, أن توجه الرأي العام إلى أن الثقافة في خطر, وأن الوزير "الإسلامي" جاء لتدمير الثقافة, والانتقام من المثقفين, وأخونة الوزارة... وغير ذلك من العبارات المعلبة والجاهزة للاستخدام في مواجهة أي إجراء يواجه الفساد.
والأزمة, التي أراها أكثر خطورة, هي أن أحدا حتى الآن لم يجرؤ على إنصاف الوزير في أي محفل, إعلاميا كان, أو برلمانيا, أو حكوميا, يقينا بأن موجة المثقفين عالية, وألسنتهم غليظة, معتبرين أن هذا القطاع بمثابة "عش دبابير" من الأفضل أن ننأى بأنفسنا عنه.
والغريب في الأمر أن نجد بيننا من يردد أن الوزير معه حق, وأن الوزارة فاسدة, إلا أن الأمر يحتاج إلى حكمة, وإلى تريث, وإلى تمهل... وغير ذلك من العبارات الفضفاضة التي لا تسمن ولا تغني من جوع, والتي إن دلت فإنما تدل على أن مقاومة الفساد سوف تكون هي المعركة الأشرس في كل القطاعات, فما بالنا إذا تعلق الأمر بالثقافة والمثقفين؟!
إلا أن السؤال الذي طرح نفسه كثيرا خلال الأيام الماضية هو: من هم المثقفون؟, والإجابة عن هذا السؤال تقتضي, ممن يبحث عن الإجابة, العناء البسيط بالتوجه إلى مقر الوزارة, كي يدرك أن الثقافة لدينا في خطر, وكي يفهم لماذا تدهور حال الثقافة في بلادنا؟.. ولماذا كانت كل هذه الضحالة في الفكر والإبداع في السنوات الأخيرة؟!
ولذلك.. فلم يكن غريبا أن يتحول الشأن الثقافي بين ليلة وضحاها إلى احتلال غير حضاري لمكتب الوزير, أو إلى دماء تنزف على أعتاب الوزارة, أو إلى ألفاظ نابية وممارسات مخجلة حولها, وأخشى ما أخشاه أن تصدر تعليمات إلى الوزير من سلطات أعلى بالتراجع عن قراراته, أو أن تتم إزاحته في إطار تسوية ما, لأمر ما, في توقيت ما.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.