وزع انصار حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت الحلوى على المارة احتفالا بسقوط مدينة القصير السورية في يد جيش بشار. تابعت هذه الانباء على احد المواقع وفركت عيني ظنا ان الامر قد التبس علي، وانني قرأت خطأ اسم المدينة المحررة، وان هناك غلطة مطبعية فالمدينة المحررة لابد أن تكون الجولان. ارتديت نظارتي كي اصلح مجال الرؤية وأعدت القراءة لاتأكد ان افراح وليالي ملاح حزب الله جاءت بمناسبة تحرير مدينة القصير من ايدي الجيش السوري الحر، فهيهات ان يكون الفرح لتحرير الجولان المؤجر مفروشا لاسرائيل من قبل آل الاسد "الاب والابن" منذ حرب اكتوبر 1973 وهذه هي الوكسة العربية الكبرى لانظمة عسكرية استبدادية حكمت العالم العربي منذ النصف الثاني من القرن العشرين واستخدمت القضية الفلسطينية تكأة لقمع شعوبها، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، في الوقت الذي لم يعل فيه صوت على صوت الزعيم، الملهم، الخالد، الضرورة "كما كان يوصف صدام حسين بهذا الوصف الاخير" وتركت إسرائيل تتمدد وتتوسع من الاستيلاء على 65% من ارض فلسطين بعد هزيمة حرب 1948 الى ضم 35% جديدة من أرض فلسطين اثر هزيمة 1967 واليوم يفاوض العرب إسرائيل فقط على 26% من هذه الارض، وفي قلب هذه ال26% أغلى البقاع "مدينة القدس الشريف" ومع ذلك لايزال العدو الصهيوني يرفض حتى اقامة هذه الدويلة الفلسطينية المتناهية الصغر. ومن عجائب القدر ان تأتي نكسة تحرير مدينة القصير من ايدي سوريين "الجيش السوري الحر" على يد اشقائهم السوريين ايضا "جيش بشار" في نفس يوم نكسة 7691 وصدق الله العظيم حين يقول في محكم قرآنه: "بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" فقوة النيران التي استخدمت من قبل جيش بشار ضد الثورة السورية منذ مارس 2011 حتى الان، لو وجهت في اتجاه العدو، ما بقي الجولان اسيرا. كنا نعتقد ان بشار الأسد من الذكاء بحيث كان يمكنه بكل سهولة ان يحشد الشعب السوري وراءه، وينهي الثورة السورية، حين قصفته اسرائيل هذا العام مرتين، فكان كل ما عليه هو إعلان حرب تحرير الجولان من ايدي اسرائيل، لكن هيهات أن يفعل الخونة والمتآمرون، فاصحاب الجلود السميكة لا يهتز لهم جفن للاستفزاز المستمر للعدو الصهيوني. فقد قصفت إسرائيل مركز جمرايا السوري للأبحاث العسكرية مرتين هذا العام "في يناير ومايو الماضيين" ليكرر النظام السوري اسطوانته المهترئة "سوريا هي التي تحدد موعد ومكان المعركة مع العدو ولا تسمح لاحد بأن يفرض عليها ذلك" إلا ان هذا الموعد لا يأتي ابدا مثل "جودو" في مسرحية صمويل بيكيت الشهيرة "في انتظار جودو"، كما ان المكان لا يزال مجهولا!! وكان من المضحكات المبكيات انه في احدى معارك جيش بشار مع الجيش السوري الحر، سقطت قذيفتا هاون على الجولان المحتل بطريق الخطأ، فأسرع نظام بشار بالاعتذار لإسرائيل بأن سقوط القذيفتين تم دون قصد، أما هدم القصير على رؤوس أهلها ومن قبلها ادلب ودرعا فقد تم بقصد. ومع ذلك لايجب ان يفرح جيش بشار وميلشيات حزب الله بالسيطرة على القصير، لان من مصلحة إسرائيل وامريكا وحلف الناتو ان تستمر هذه المعارك حتى آخر مقاتل سوري، وحين يكتمل التدمير الكامل لسوريا، يمكن وقتها ان تتدخل القوى الغربية لوقف المعارك، فهذا فصل جديد من لعبة الامم. هل نسيتم الحرب الغبية بين العراق وإيران حرب الخليج الاولى" التي تم فيها استنزاف الدولتين، وطوال سنوات الحرب الثمانية، كان اذا اوشك العراق على السقوط، تداعت المخابرات الغربية لدعمه حتى يقف مرة اخرى على قدميه، وكان اذا حدث العكس، واقبلت طهران على الهزيمة، تنادت الولاياتالمتحدة وباقي القوى الغربية لنصرتها بالسلاح "فضيحة إيران كونترا، اوضح مثال". وتوقفت هذه الحرب فقط حين تم تدمير اقوى جيشين في المنطقة. اللعبة الان تجري داخل سوريا على النطاق المحلي بعد ان كانت في حرب الخليج الاولى على النطاق الاقليمي، وسترون خلال الايام القادمة انتصارات للمعارضة السورية على جيش بشار في مناطق اخرى، وهكذا دواليك، لانه حين يتوقف القتال، ستتوقف معه اي قوة سورية على الجانبين "المعارضة والحكم" عن ان تكون قادرة على تحرير الجولان. اقرأوا الفاتحة على الجولان ولا تفرحوا لتحرير القصير، لانه "قصر ديل يا أزعر"! ولا يبعد ما يجري في مصر كثيرا عن هذا الوضع، فقط تختلف الاساليب، فالمكائد التي تحاك ضد كنانة الله في الارض تجري عبر تفكيكها سياسيا وتحطيمها اقتصاديا.. اتفقت الاهداف واختلفت الوسائل.. وما لا يتم انجازه بالقنبلة، يمكن تدبيره بالكاميرا والقلم!! فكيف تفسرون وقوف دولتين في المنطقة كانتا توصفان من قبل بالدول الرجعية- واحدة الى جانب دعم وتمويل المعارضة المصرية والاخرى تقف الى جانب دعم النظام. والدولتان تقومان بهذا الدور بالوكالة عن القوى الغربية التي لا تريد لمصر استقرارا او هدوءا، ففي كل مرة يحاول المصريون جمع الشمل يقوم الوسواس الخناس "شفيق وصحبه" ببث سموم الفرقة ومنع التصالح بين المعارضة والنظام.. حتى اصبح حضور الدكتور عمرو حمزاوي لاجتماع الرئيس بشأن سد النهضة نوعا من بيع القضية وصل عند بعض المتطرفين إلى حد الخيانة، وفي كل مرة يسعى النظام الى مد اليد لجبهة الإنقاذ وباقي قوى المعارضة، تعاود النفاثات في العقد دورها للحيلولة دون الاصطفاف والاستواء الوطني، ولذلك على النظام الحاكم ان ينتبه تماما لمحاولات الفرقة وان يحرص على لم الشمل، ولا مانع من تقديم بعض التنازلات حتى يمكن تحقيق الهدف الاكبر وهو إقالة مصر من كبوتها، وتقديم هذه التنازلات لن يكون عارا، كما يحاول ان يصوره البعض، لانه سيقدم لمصريين وطنيين في سبيل هدف اسمى وهو قطع الطريق على كل من يحاول تفكيك هذا البلد الامين، وعلى المعارضة ان تنتبه ايضا إلى ان إسرائيل والولاياتالمتحدة تريد تركيع مصر، عبر استمرار هذه الفرقة، فلا يجب عليها ان تتشدد في مطالبها وان تهبط بسقف هذه المطالب لان الانتخابات الرئاسية المبكرة على سبيل المثال، ستفتح بابا للنزاع والفتنة لن يغلق ابدا، لانه مع كل رئيس منتخب، نختلف معه سياسيا وايديولوجيا، لن يستمر لمصر رئيس اكثر من اسبوعين، وبالتالي تمتد المرحلة الانتقالية الى ما لا نهاية، ليستغل هذا الوضع كل من لا يريد الخير لمصر لنفاجأ بدول كإثيوبيا واوغندا تتجرأ على مصر، وسوف تتلوها دول اخرى، وكلها ظروف مثالية للعدو الصهيوني لانجاز ما يدبر للمنطقة بأسرها. ولعل سد النهضة الإثيوبي أوضح أمثلة المؤامرة. اعتبروا يا اولي الالباب، فقد تم تقسيم العراق والسودان وليبيا ويجري تفكيك سوريا عسكريا ومصر سياسيا وهو نفس ما يجري في تونس. افيقوا يرحمنا ويرحمكم الله. نقلا عن جريدة أخبار اليوم