هل تتشابه حالة مصر الآن.. بما كانت عليه منذ حوالي قرنين من الزمان.. أقول إن هذا سليم إلي حد كبير.. فالاقتصاد ينهار.. والغلاء يزداد.. والأطماع الخارجية تتوالي.. والأمن الداخلي غائب تماماً.. حتي ارتفعت أصوات الناس ترجو الله أن يرفع هذه الغمة.. ولكن ليس فقط بالدعاء.. ولكن بالعمل الجاد ووجود القيادة الواعية التي تعطي القدوة للجميع.. وهذا ما حدث. ففي بدايات القرن 19 نجحت الجهود في طرد جيش بونابرت.. ولكن عادت أطماع المماليك إلي الظهور وإلي محاولة السيطرة علي البلاد- تحت المظلة- العثمانية- من جديد.. ورفض شعب مصر من خلال قيادته الشعبية التي تمثلت في السيد عمر مكرم وشيوخ الأزهر وكبار التجار.. كلهم رفضوا ذلك. وفي يوم 13 مايو 1805 نجح زعماء مصر الشعبيون في فرض محمد علي باشا والياً علي مصر، وأجبروا السلطان العثماني علي ذلك.. ولكن هذا الأمر لم يعجب زعماء المماليك.. إذ كان أكثر من أمير منهم يحلم بأن ينفرد بحكم مصر.. كان هناك إبراهيم بك ومحمد بك الألفي وعثمان بك البرديسي وغيرهم.. وكان لكل منهم قواته التي تسيطر علي منطقة من مناطق مصر. كان الألفي يحتل الفيوم. والبرديسي وإبراهيم بك يحتلان شاطئ النيل بين أسيوط والمنيا. وعثمان بك حسن يرابط في مديرية إسنا. أي كان معظم الصعيد تحت سلطة المماليك.. حتي إنهم هزموا جيش محمد علي وأجبروه علي الانسحاب.. بل وزحف الألفي من الفيوم إلي الجيزة.. ثم إلي البحيرة. ببساطة كان الأمن مفقوداً، وكان جنود المماليك ينهبون أموال الناس.. حتي البسطاء منهم، ما جعل الناس تهتف إيش تاخد من تفليسي.. يا برديسي.. ووسط هذا كان الألفي بك يتصل بالانجليز الذين أرسلوا حملة عسكرية لفتح مصر وطرد محمد علي وتولية الألفي بك مكانه. كان الأمن غائباً.. حتي إن محمد علي الذي كان يطارد المماليك في الصعيد دون هوادة وقف عاجزاً عن مواجهة حملة فريزر هذه التي احتلت الإسكندرية وتوجهت إلي رشيد ليسلكوها إلي القاهرة. ولم يتحرك إلا بعد أن انتصر أهالي رشيد علي الانجليز.. بل وحاول السلطان العثماني إخراج محمد علي بالقوة من مصر وأرسل أسطولاً لعزله. هنا استعمل محمد علي ذكاءه الفطري- إذ لم يكن يعرف القراءة والكتابة- وحاول التفريق بين زعماء المماليك.. ونجح في ذلك تماماً.. بينما حقق الموت جانباً آخر بموت البرديسي ثم الألفي.. بل وتمردت بعض قواته وحاصرت قصره في الأزبكية يطالبون برواتبهم المتأخرة. ومع تصاعد الإخلال بالأمن.. ولأن محمد علي كان يحلم ببناء دولة حديثة فقد تيقن أن ذلك لن يتحقق إلا بفرض الأمن وإعادة الاستقرار هنا كانت مذبحة القلعة هي الحل، حتي وإن اتهمه المؤرخون بعدم الإنسانية كان لابد أن يقضي علي قادة المماليك. وتحقق له ذلك يوم الجمعة أول مارس 1811. وفي هذه المذبحة تخلص الرجل من نحو 1000 من أمراء وكشاف وجنود المماليك، في القلعة وفي القاهرة وغيرها.. أما من نجا منهم فقد هرب إلي جنوبأسوان وفي النوبة ودنقلة.. وسوريا. ومهما اختلفنا حول شرعية هذه المذبحة إلا انه لم يكن هناك أي وسيلة أخري لفرض الأمن والأمان.. أي أن محمد علي بدأ بعدها في تنفيذ مشروعه النهضوي الضخم لإعادة بناء مصر.. وهو ما لم يكن يتحقق في ظل وجود المماليك. وإذا كنا لا نريد مذبحة قلعة جديدة الآن.. إلا أننا جميعاً نطلب إعادة الأمن إلي البلاد.. مهما كان السبب. حتي نبدأ استقراراً حقيقياً. لنبني علي أساس سليم.. ولولا ما فعله محمد علي- في هذا الشأن- لما أمكنه إعادة بناء الوطن حتي انه خارجياً تمكن من فرض سيطرة مصر علي شبه الجزيرة العربية واليمن وسوريا وفلسطين ولبنان.. بل ونصف الأناضول ووصل جيش مصر إلي عتبات استانبول، عاصمة الدولة العثمانية نفسها.. وداخلياً استطاع أن يحفر الترع ويحمي جسور النيل ويبني القناطر الخيرية وينشئ مئات المصانع ويتوسع في زراعة الأراضي وأدخل أنواعاً جديدة من الزراعات.. ولأول مرة يتحقق الفائض المالي للدولة، رغم كل النفقات العسكرية.. ثم أليس هو صاحب النهضة التعليمية التي صنعت حاضر مصر أيامها. تعالوا نتعلم من درس محمد علي.. وأن نبدأ بإعادة الأمن.. ووضع خطة تنموية حقيقية لبناء مصر العصرية.. وكانت بداية كل ذلك في يوم 13 مايو 1805، يعني مثل يوم غد «الاثنين».. هل نكرر تلك المعجزة بعد قرنين من الزمان. نحن- كل المصريين- قادرون علي صنع ذلك. نقلا عن الوفد