سألوني: ما العلاقة بين «البلطجي» و«الثورجي» قلت هي علاقة طاردة.. فالبلطجي هو من يحمل البلطة.. وهي أداة من معدن في يد من خشب.. تستعمل في التحطيب، أي جمع الحطب وتقطيع أغصان الاشجار اليابسة.. وهي غالباً سلاح من يحتطب أو يستخدمها لقطع الاخشاب من حول المدن وبيعها في الاسواق.. ولكن البعض منهم يحملها لترويع الناس الآمنين وسلبهم أموالهم.. بالقوة.. أما الثورجي فهو من يثور رفضاً لظلم وقع عليه.. وبهدف تحسين أوضاعه وشتان بين الاثنين!! ودائماً ما يستغل البلطجية ظروف الثورات لتحقيق المكاسب، ولنهب الناس وارهابهم، ودائماً ما ينجحون طالما غابت السلطة، أو نام السلطان أو غفل عنهم.. وهذا هو حالنا اليوم.. فهل انتهت الثورة وتلاشي الثورجية.. ليسود البلطجية ويفرضوا بطشهم.. وإذا كانت البلطة والبلط هي سلاح البلطجية زمان.. فقد تطور سلاح البلطجية.. إلي قرن الغزال واحياناً «الشرشرة» أو سكينة قطع الموز إلي الشومة وجمعها «شوم» إلي السنجة والسيف وأسياخ الحديد وكل ما يحمي في النار، عند الحدادين إلي أن وصلنا إلي فرد الخرطوش وحتي الاسلحة الآلية.. نجانا الله من كل هذه الاسلحة التي يحملها بلطجية هذا الزمان.. وقد لجأ الناس الطيبون إلي ان يحموا انفسهم.. فحمل بعضهم الاسلحة المرخصة.. ومنهم من اشتري سنجة.. أو شومة أو أي عصا غليظة ترد عنه اعتداءات البلطجية .. وقد راجت لذلك تجارة بيع وشراء كل هذه الاسلحة في الاحياء الشعبية او علي الطرق الخارجية لا فرق.. ولكن القضية ليست في انتشار هذه الاسلحة التي يجرمها القانون.. ولكنها في غياب من ينفذ القانون، أي في غياب السلطة .. وفي ضعف السلطان، حتي وصلنا إلي أن نتهم الشرطة التي تتصدي للبلطجية بتهم قتل واصابة المهاجمين وتلك هي البداية، وتعجبت ممن يعترضون علي براءة رجال الشرطة الذين تصدوا للبلطجية وحاولوا حماية اقسام الشرطة المكلفين أصلاً بحمايتها.. وهكذا تجرأ البلطجية واخذوا يهاجمون أي شيء، وكل شيء وبأي اسلحة فإذا سقط من البلطجية من سقوط وجدنا من يدافع عنهم ويصفهم بالثوار بل ويطالب باعتبارهم شهداء أو من مصابي الثورة، وتلك هي الكارثة.. وتمادي البعض منا في ذلك، حتي وجدنا من يطالب بالعفو عنهم والافراج عن المقبوض عليهم.. وتعويضهم، وهكذا ذهبت هيبة الشرطة.. وسقط السلطان.. وركعت السلطة أمام ضغط اصحاب الصوت العالي.. واصبح من الصعب عودة الامن والامان للناس وللشارع.. وللبيوت وحتي الي المستشفيات. ونحن الآن ندفع الثمن، وغالياً، ونقف عاجزين عن تنفيذ القوانين وعن حماية البسطاء من الناس، وزادت جرأة البلطجية.. وفي المقابل زاد تقوقع السلطان واصبح - بالفعل - غير قادر علي حماية الناس.. بل وحماية نفسه، هو أيضاً، وما يجري في مصر الآن خير دليل.. ثم وسط كل هذه الفوضي ارتفعت ألسنة المصريين تهتف من الاعماق يا ولي الألطاف.. نجنا مما نخاف.. بل وللمأساة توابعها نجد من يتحدث عن بدء تنفيذ حملة للنهوض بمصر والمصريين.. فكيف يحدث ذلك والأمن غائب تماما عن كل شيء في مصر.. ولا صوت يعلو فوق صوت البلطة وصوت البلطجية.. وصدقوني لن يحدث شيئ من ذلك طالما السلطان نائماً في قصره.. وهناك من يحميه، هو وحده.. أما الشعب فالله حاميه!! وتعالوا أذكركم بدرس من التاريخ.. هو درس عمره قرنان من الزمان بالضبط وبالذات يوم الجمعة أول مارس 1811.. كانت مصر تعاني بالضبط كما تعاني الآن.. وكان زعماء مصر عمر مكرم ومحمد المحروقي والشيخ السادات والشيخ الشرقاوي قد أجبروا السلطان العثماني علي تعيين محمد علي باشا حاكماً لمصر.. ولكن كان بقايا المماليك يحنون إلي عصرهم الذهبي واستعادة سيطرتهم علي امور البلاد .. يتقدم محمد بك الالفي والبرديسي وشاهين بك الالفي وشاهين بك المرادي، ومنهم من لجأ للصعيد ومنهم من وافق علي الصلح.. ولكن محمد علي ظل يخشي بأس المماليك.. وخشي إن خرج جيشه بقيادة ابنه طوسون إلي الحجاز ان ينقلب المماليك عليه ففكر في ان «يتغدي بهم.. قبل أن يتعشوا.. به» فضلاً عن ان الرجل كان يفكر في بدء مشروعه النهضوي لبناء مصر القوية. وأحكم محمد علي تدبير خطته.. فلم يقف علي سرها إلا اربعة فقط من خاصة رجاله وكان منهم قائد الجند الارناء وردو محمد بك لاظ أوغلي وصالح قوش وابراهيم اغا حارس باب العزب.. وتمت مذبحة القلعة.. وفيها قتل نحو 1000 من المماليك منهم قادتهم وامراؤهم.. وفر الباقي إلي ما وراء اسوان وفي النوبة ودنقلة و60 هربوا إلي سوريا.. احدهم امين بك الذي قفز بجواده من فوق اسوار القلعة!! وهكذا تخلص محمد علي من بلطجة المماليك الذين تحولوا إلي قوة ترهب الشعب.. ليتفرغ لبناء اسس النهضة الجديدة التي يحلم بها لمصر.. وقد كان.. أي ان محمد علي طبق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.. كان المماليك قد اصبحوا شوكة في ظهر الحاكم وأشواكاً في صدور كل المصريين.. وكان يحلم باقامة دولة عظمي في مصر.. ولم يكن ذلك ليتحقق إلا بالقضاء علي بلطجة المماليك.. وقد كان.. ومهما قيل عن مذبحة القلعة.. إلا أن الرجل ما كان له ان ينجح في اقامة الدولة العصرية التي يحلم بها إلا بعد القضاء علي «بلطجية المماليك..». الان مصر تتطلع إلي عصر جديد.. وهناك مشروع نهضوي يتبناه رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي.. ولن يستطيع الرجل ان يفعل شيئاً إلا بالقضاء علي البلطجية الحاليين.. ونحن نتمني أن تنطلق مصر إلي عصر جديد من النهضة.. ولكن ذلك لن يتحقق إلا باستخدام «شومة كبيرة» ربما بحجم سماء مصر، شومة نواجه بها كل اسلحة البلطجية.. حتي لو اجبرونا علي الدفع بهم إلي السجون وإلي منصات الاعدام، حتي تهدأ مصر ويتم تنظيفها.. لتتمكن من الانطلاق.. ونتمني الا ينظر السلطان إلي الوراء وهو يستخدم هذه الشومة شديدة البأس لتطهير مصر.. هذا اذا اردنا ان نبني وطننا علي اساس نظيف.. الشومة.. ولا شيء أقل من الشومة.. قبل ان ينهار كل ما بقي من مصر.