أكد وزير الخارجية محمد كامل عمرو - في كلمته بجلسة النقاش رفيع المستوى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول "التسوية السلمية للنزاعات في إفريقيا - إلتزام مصر الراسخ بدعم قضايا القارة الإفريقية، مضيفا أنه "كما ساندت مصر من قبل تطلعات الشعوب الإفريقية نحو الحرية والاستقلال، فإنها لن تأل جهداً في مساندة جهود تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في القارة". وعبر عمرو عن تقديره لمبادرة رئيس الجمعية العامة بعقد هذا النقاش رفيع المستوى حول التسوية السلمية للنزاعات فى إفريقيا، امتداداً لعنوان النقاش العام للدورة الحالية للجمعية العامة وهو تسوية النزاعات الدولية عبر الوسائل السلمية. وقال إن مسيرة العمل الإفريقي المشترك التي أرسى دعائمها الآباء المؤسسون لمنظمة الوحدة الأفريقية - التي نحتفل هذا العام بالذكرى ال50 لإنشائها - قد عكست إصرارا على الحرية والاستقلال والتغلب على تحديات السلم والأمن، وفي مقدمتها النزاعات المسلحة، لتتمكن إفريقيا من توجيه إمكاناتها نحو مكافحة الفقر، وتحقيق التنمية، والاستجابة لتطلعات شعوبها نحو عيش كريم، ومستقبل أفضل. وأضاف أن التجارب العديدة التي شهدتها إفريقيا طوال العقود الماضية أثبتت أن الحل الأمثل في تسوية النزاعات والخلافات التي مرت بها القارة والتوصل إلى حلول دائمة بشأنها يكمن أساساً في التعامل مع جذور المشكلات ذات الصلة، خاصةً من خلال التسوية السلمية والحوار السياسى، فضلاً عن تحقيق التنمية الاقتصادية، ونشر التعليم، والحد من انتشار الأسلحة بشكل غير مشروع. إذ أن الحلول العسكرية قد أثبتت في غالب الأحيان عدم ملاءمتها، بل وتسببها في تأجيج النزاعات ووقوع الكثير من الضحايا الأبرياء. وقال وزير الخارجية إن لإفريقيا أن تفخر اليوم بما حققته؛ إذ نجحت خلال العقود الأخيرة في تحقيق تقدم كبير نحو معالجة التحديات التقليدية للسلم والأمن؛ فوفقاً لتقرير السكرتير العام إلى الدورة ال65 للجمعية العامة بشأن أسباب النزاعات في إفريقيا؛ انخفض عدد الدول الإفريقية المنخرطة في نزاعات مسلحة إلى 4 دول فقط بعد أن كانت 14 خلال عقد التسعينيات؛ مما أتاح توجيه الموارد نحو التنمية لتتمكن القارة من تحقيق معدلات نمو اقتصادي تجاوزت 5 % سنوياً خلال العقد الأخير. وأشار عمرو إلى أن هذا التقدم في تسوية النزاعات المسلحة جاء محصلة لما حققته إفريقيا على صعيد تعزيز الحكم الرشيد، وتعميق الديمقراطية، وتحقيق نمو اقتصادي مرتفع، ودعم الآليات المؤسسية في إطار الاتحاد الإفريقي، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، سواءً من خلال صياغة الأطر الحاكمة لعملها مثل إحلال مبدأ عدم اللامبالاة محل مبدأ عدم التدخل، ورفض التغيير غير الدستوري لأنظمة الحكم، أو عبر استكمال الهيكل المؤسسي لبنية السلم والأمن الإفريقي من خلال إنشاء مجلس السلم والأمن الإفريقي، والقوة الإفريقية الجاهزة، وفريق الحكماء، وآليات الإنذار المبكر على المستويين القاري والإقليمي التي عززت من قدرة إفريقيا على تسوية النزاعات ومنع اندلاعها. وأضاف أن الآلية الإفريقية لمراجعة النظراء - والتي ارتفع عدد الدول الإفريقية المنضمة إليها طوعاً إلى 31 دولة - مثلت إحدى آليات دعم الاستقرار في القارة عبر تعزيز الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. وأوضح أنه انطلاقاً من إدراك الدول الإفريقية للصلة الوثيقة بين السلام والأمن والتنمية؛ تم اعتماد مبادرة النيباد كرؤية تنموية مشتركة نابعة من الاحتياجات والأولويات الإفريقية، إلا أن الكثير من مشروعاتها ما زال بعيداً عن التنفيذ نتيجة لغياب التمويل، مؤكدا على الدور الأساسي للمجتمع الدولي في مساندة تنفيذ برامج مبادرة النيباد؛ من خلال وفاء الشركاء الدوليين بتعهداتهم بشأن مساعدات التنمية الرسمية؛ بما فى ذلك ما تعهدت به مجموعة الثمانية خلال قمة جلين إيجلز بمضاعفة مساعداتها لإفريقيا، إضافة إلى التعهدات المتعلقة بتخفيف تداعيات تغير المناخ، وتعزيز الأمن الغذائي. وفى هذا الخصوص، فإنه مما يثير الانزعاج أن مساعدات التنمية الرسمية قد انخفضت اعتباراً من عام 2011 للمرة الأولى خلال عقد كامل في الوقت الذي تحاول فيه الدول النامية، خاصة الدول الإفريقية تحقيق أهداف الألفية للتنمية بحلول عام 2015. وقال وزير الخارجية إنه رغم التقدم الذي حققته إفريقيا في منع اندلاع النزاعات وتسويتها، تواجه قارتنا حالياً تحديات غير تقليدية نابعة من تهديدات أمنية عابرة للحدود الوطنية؛ أبرزها أنشطة شبكات الإرهاب والمخدرات، والجريمة المنظمة، والقرصنة، إضافةً إلى التداعيات الأمنية، والإنسانية لتغير المناخ والتصحر. ولاشك أن مواجهة هذه التحديات الناشئة يتطلب تعزيز المشاركة الاستراتيجية بين الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة والمجتمع الدولي بأسره. وأشار إلى أنه رغم ما تحقق في إطار المشاركة بين منظمتي الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي إلا أن هناك مساحة كبيرة لتعزيز التعاون المشترك لمنع اندلاع النزاعات وتسويتها اتساقاً مع أحكام الفصل الثامن من ميثاق الأممالمتحدة، ومن ذلك تعزيز جهود الأممالمتحدة لدعم بناء قدرات الاتحاد الإفريقي والمنظمات دون الإقليمية في مجال الدبلوماسية الوقائية، بما في ذلك الوساطة، والإنذار المبكر، وإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات. ولذا تدعو مصر إلى إطلاق حوار بين المنظمتين لصياغة إطار جديد للتعاون وبناء القدرات الإفريقية يبنى على ما تحقق من خلال برنامج السنوات العشر لبناء قدرات الاتحاد الإفريقي الذي ينتهي العمل به عام 2016. وشدد عمرو على إلتزام مصر بدعم هذه المشاركة، خاصةً في إطار عضويتها الحالية في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وكذلك عبر استضافة الملتقى السنوي رفيع المستوى للمبعوثين الخاصين لسكرتير عام الأممالمتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى مناطق النزاع في أفريقيا لتعميق التنسيق بين المنظمتين بشأن جهود تعزيز السلام في القارة، وأيضاً من خلال مبادرتها لتأسيس مركز إفريقي لإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات. وقال إن القارة الإفريقية لا تزال تُعاني من الظلم التاريخي الواقع عليها بشأن تمثيلها في مجلس الأمن، رغم أن أكثر من 70% من عمل المجلس يتناول الموضوعات الإفريقية؛ وبالتالي يجب زيادة تمثيل إفريقيا في مجلس الأمن الموسع، وأدعو جميع الدول لدعم المطالب الإفريقية في هذا الشأن المُتمثلة في الموقف الإفريقي الموحد الوارد في توافق إيزولويني وإعلان سرت. وأعرب وزير الخارجية محمد كامل عمرو عن أمله في أن يسهم هذا النقاش في دعم التعاون بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي، وأن يعزز من قدرتهما على العمل معاً لمنع اندلاع النزاعات وتسويتها عبر الوسائل السلمية.