في خضم ما يدور من هرج ومرج ثوري في عدد من الدول العربية، تطرح تساؤلات حول صلاحية تطبيق التجربة التركية في الدول التي تلم بها الأحداث حالياً، فيقال بأن الأنموذج التركي بمضامينه ودلالاته الأصلية صالح للاستخدام في العالم العربي. ويعود السبب في ذلك إلى أن تلك التجربة الناجحة التي دشنها عسكري يحمل أفكاراً علمانية هو مصطفى كمال أتاتورك، تشهد الآن تحولات على يد حزب "التنمية والعدالة" الإسلامي، بحيث أصبحت تجربة جديدة تزاوج بن مجتمع مسلم عبر سياسات ديمقراطية في دولة علمانية ذات مؤسسة عسكرية قوية (رغم إضعافها في الآونة الأخيرة) مع وجود روابط مفصلية مع دول الغرب. إن العلاقة بين موقع تركيا الجغرافي القريب من أوروبا وسعيها الدؤوب للترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي ونجاحها في سياستها الخارجية واشتراكها في الحدود مع دول العالم العربي، تزيد من نظرة العرب الإيجابية إلى تركيا، وتفصح بأن سعي تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، يجعلها شريكاً اقتصادياً جذاباً للدول العربية. وبنفس الطريقة، فإن جاذبية تركيا للمستثمرين العرب، تجعلها أيضاً قادرة على أن تصبح جسراً يربط بين الأسواق الأوروبية والعربية، فقد استفادت تركيا كثيراً من الاستثمارات التي لديها، حيث أسهمت في قدرة اقتصادها على تجاوز أزمة منطقة "اليورو" الحالية، لأن تركيا ذات اقتصاد يتأثر كثيراً بما يحدث في أسواق دول الاتحاد الأوروبي، وإن لم تكن هي ذاتها عضواً عاملاً في الاتحاد وفي منطقة "اليورو". ويقابل ذلك، أن التجربة التركية تتردد أصداؤها في الدول العربية، لكن تقمصها من قبل أي منها أو مقارنة ما يحدث في الدول العربية التي شهدت ثورات بتركيا يجب طرقها بحذر شديد، فرغم مظاهر التشابه السطحية، فإن حركات الإسلام السياسي في الدول العربية، لها قدر يسير من العناصر المشتركة مع حزب "العدالة والتنمية" التركي. إن المساحات السياسية الأعرض التي ينطلق منها كل طرف مختلفة، فتركيا لديها تقاليد برلمانية ضاربة في القدم رغم جميع الإرهاصات التي مرت بها تلك التجربة. لذلك فإن أية حكومة في مصر أو سوريا أو ليبيا أو تونس أو اليمن، ربما تستمد قبساً من المثال التركي، لكنها ستجد نفسها في وضع يصعب عليها تقليده. إن اللاانسجام بين الخطابة والشعارات والدعاية السياسية والممارسة التركية من جانب، والواقع الذي تعيشه كل دولة عربية على حدة من جانب آخر، يعني بأنه بالرغم من النجاح المبدئي للسياسة الخارجية التركية في فتح أسواق جديدة، والتمدد في دول الجوار، فإن تركيا أجبرت بسبب الثورات الأخيرة في بعض الدول العربية على مواجهة الحقائق الجديدة للمنطقة. وبسبب نظرة العديد من الدول العربية الإيجابية إلى التجربة التركية في التنمية والتحديث، وإعجابها بالنجاحات التي حققتها على هذا الصعيد، فإن عدداً منها صار يعتقد بإمكانية نسخ التجربة وتطبيقها بحذافيرها لديه. لكن واقع الحال يشير إلى غير ذلك، فتلك الدول ينقصها الكثير من العناصر المطلوبة، لكي تتمكن من تحقيق ذلك، خاصة على صعد البنية التحتية والتعليم والاستعداد الذهني والنفسي لدى شعوبها لخوض تجربة ناجحة من هذا القبيل. ويضاف إلى ذلك أن تركيا لم تصل إلى ما وصلت إليه من نجاحات في غمضة عين، إنما استغرق الأمر ثمانين عاماً منذ أن شرعت في تجربتها التحديثية والتنموية. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية