هذه ال"آآآه" الباكية.. الموجعة ب"الثلاثة"، هزت أركان ميدان التحرير، بعد ظهر يوم الإثنين الماضي، رددها المصدومون في حكم الجماعة. انطلقت صيحة مدوية خلف الناشط أحمد دومة، خلال تشييع الجثمانين الطاهرين، للشهيدين الشابين، محمد الجندي وعمرو سعد، اللذين اغتالتهما يد البطش والإرهاب والتعذيب، في أنبل معارك مصر، من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. الأولى: آآآه.. يا بلدنا.. يا تكية.. يا وسية.. نهبوكي شوية حرامية. الشعب يريد إسقاط النظام. نذكر طبعا كم كانت حناجر ملايين المصريين يرددونها، في ميدان التحرير، وفي كل ميادين المحروسة، تعبيرا عن الألم من الجوع والفقر والمرض، ومن القهر والقتل والتعذيب والترويع، بينما كانت هناك فئة قليلة تهنأ بالمليارات، حتى سقط الطاغية الفاسد المستبد، في مثل هذا التوقيت، تقريبا، من عامين. الثانية: آآآه.. يا بلدنا.. يا تكية.. ياوسية.. سرقوكي شوية حرامية. يسقط.. يسقط حكم العسكر.. إحنا الشعب الخط الأحمر. ظلت، هي الأخرى، صيحات مدوية وهتافا لملايين المتظاهرين المصريين، بميدان التحرير، وفي كل ميادين المحروسة، تنديدا بخريطة الطريق، المرتبكة، الانتقامية من الثورة والثوار، الممنهجة والمشبوهة بواسطة المجلس العسكري مع شركاء الغبرة من المتأسلمين، على مدى عام ونصف العام تقريبا، حتى رحل المجلس الأعلى غير مأسوف عليه في منتصف عام 2012. الثالثة والأخيرة، جاءت أكثر وجعا، كانت تصدر من الأعماق بحق بعد شعور مؤلم ومؤسف للغاية بجرح وغدر من شركاء الميدان، الذين التحقوا بالثورة في آخر مقعد بآخر عربة بآخر قطار، وإصرارهم الفظيع على التمكين والتكويش والمغالبة، منذ تسلمهم للسلطة، في 30 يونيو الماضي، كتبها الثوار على النحو التالي: آآآه.. يا بلدنا.. يا تكية.. يا وسية.. للإخوان والسلفية.. نفسي أشوف فيكي الحرية. آآآه.. يا بلدنا.. يا وسية.. يا تكية.. قتلوا ولادك شوية بلطجية. آآآه.. يا بلدنا.. يا وسية.. يا تكية.. سامع أم شهيد بتنادي.. مين ها يجيب حق ولادي. آآآه.. يا بلدنا.. يا وسية.. يا تكية.. يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم. يسقط.. يسقط حكم المرشد، إحنا الشعب الخط الأحمر.. إذن.. فقد تكررت ال"آآآه" في الحقب البائسة الثلاث، من عمر ثورة 25 يناير الفتية، بداية دوت ال"آآآه" حتى انزاح الطاغية، تعالت ال"آآآه" في كل الأنحاء إلى أن توارى العسكر عن المشهد السياسي، ها هي ال"آآآه" تدوي من جديد ضد الأخونة. خلال جنازة الشهيدين، محمد الجندي وعمرو سعد، بعد ظهر يوم الإثنين الماضي، لم تتوقف هتافات الثوار، عند هذا الحد، بل زاد عليها المشيعون بصراخهم: يا شهيد نام وارتاح.. وإحنا نكمل الكفاح. وحياة دمك يا شهيد.. ثورة تاني من جديد. رفع المتظاهرون لافتات مكتوبا عليها: إلى جنة الخلد يا شهيد.. ها نجيب حقهم.. وها نحقق حلمهم.. يسقط الإخوان.. يسقط الدستور.. جنازة الشهيدين محمد الجندي وعمرو سعد أدمت قلوب المشيعين، أبكت كل المصريين الذين تابعوها على الفضائيات، ذكرتهم جميعا بالمواجع وبالكوارث والنكبات التي لحقت بأعظم وأنبل وأطهر ثورة، وبمن ذهبوا ضحية للغدر والخيانة والتعذيب، وبالذات، حينما اغتالت الأيدي الآثمة جيكا وكريستي والحسيني. شاءت إرادة الله أن تتسبب دماء شهداء ثورة 25 يناير الطاهرة في كشف عورة النظام الفاسد المستبد، ما مضي من زمانه وما لحق، ليس فقط عند مجرد حبس الطاغية وأركانه وحاشيته في سجن طرة، بل وبالرحيل المهين والمذل لمجلسه الأعلى، إلى أن حلت عليه اللعنة أخيرا بواسطة الفضيحة العلنية والمدوية التي حطت على دماغه عند تعرية وسحل مبيض المحارة، الغلبان، حمادة صابر. نقيب النقباء، مكرم محمد أحمد، أطال الله في عمره، لخص في مقال له ب"الأهرام" طبيعة المرحلة المرتبكة التي تمر بها البلاد والعباد، وأن مصر ليست تكية ولا وسية لأي حاكم أو حتى عابر سبيل، قائلا: "صندوق الإنتخابات لا يقدم للرئيس تفويضا أبديا على بياض بأن يفعل ما يريد وعلى الأمة واجب الولاء والطاعة (!!) ولا يعني الصندوق إختزال إرادة الأمة في شخص الرئيس، كما أنه لا يحصن قراراته السابقة واللاحقة من الطعن عليها أمام القضاء، ولا يحميه من حق الجماهير في أن تغضب من بعض قراراته أو تنتقد بعض تصرفاته". نقلا عن جريدة الأهرام