في حين تتمنع أحزاب الأغلبية في مجلس الشورى المصري وتماطل في إقرار كوتة المرأة في مجلس النواب المصري، وترفض كافة الأحزاب تقريبا وضع المرأة في النصف الأول من قوائمها الإنتخابية ، يفاجئنا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بقرار جريء ينم عن إرادة سياسية حقيقية لدعم دور المرأة السياسي في بلاده، وقرر فيه أن لا يقل تمثيل المرأة في مجلس الشورى عن 20% . بعد أكثر من عام على خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أثناء رعايته اللقاء السنوي للسنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى في 24 سبتمبر (أيلول) 2011، والذي أكد فيه ما للمرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي من مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي، والمشورة، منذ عهد النبوة حتى اليوم؛ أصدر الملك عبد الله أمس أمرين ملكيين بتعديل مواد في نظام مجلس الشورى تسمح للمرة الأولى في تاريخ البلاد بإشراك المرأة في عضوية المجلس وبنسبة لا تقل عن 20 في المائة، وهي «كوتة مؤثرة» وفق مراقبين، وتسبق بها السعودية كثير من دول العالم العالم العربي . وقال أعضاء في مجلس الشورى، ومراقبون، لجريدة «الشرق الأوسط» إن دخول المرأة السعودية للمجلس بهذا الحجم الذي فاق ما تتمتع به برلمانات خليجية وعربية بل وحتى دولية، هو دليل آخر على حرص خادم الحرمين على المضي قدما في الإصلاح ودعم مشاركة المرأة في كل جوانب الحياة العامة في البلاد. وقال عضو مجلس الشورى الذي أعيد تعيينه في الدورة الجديدة، إن الأعضاء المراقبين لجهود الملك عبد الله في دعم المرأة لم يفاجأوا بالعدد الكبير، وأضاف: «عودنا خادم الحرمين على الإنجازات الكبيرة، وأن تكون دائما قراراته أكبر من المتوقع بكثير». ولقد حقق خادم الحرمين للمرأة السعودية خلال السنوات الأخيرة منجزات كبيرة، منها جامعة الأميرة نورة وجامعة كاوست، والمشاركة في المجالس البلدية ناخبة وعضوا، والآن هي عضو مؤثر وصانع قرار في مجلس الشورى. وأضاف الدكتور سعد البازعي «إن دخول المرأة ب30 عضوا سيغير الكثير من المعادلات داخل المجلس، وسيكون فرصة جيدة لنقل ورفع مستوى صوت المرأة وهي النصف الأكبر من المجتمع..ستسهم في صنع القرارات المهمة لأن المجلس صانع أنظمة وفق نظامه الأساسي». أن المرأة السعودية اليوم بات بإمكانها اقتراح أنظمة أو تعديل أنظمة قائمة في كل المجالات، مشيرا إلى أن ذلك سيجعل التوصيات والأنظمة الصادرة عن المجلس خصوصا تلك التي تخص الأسرة أقرب للواقع. من ناحيته، قال الدكتور سعدون السعدون عضو مجلس الشورى المجدد تعيينه، إن السيدات المختارات للمجلس يتمتعن بسيرة ذاتية ووطنية رائعة يمكن بالفعل أن تحقق للمجلس إضافة نوعية. و«نشكر القيادة على هذه الثقة الكبيرة في المرأة السعودية، ونتطلع نحن كأعضاء شورى رجال للعمل إلى جانبها وتحقيق تطلعات القيادة المستقبلية». وبين السعدون أن التخصصات الكبيرة والمهمة التي تتمتع بها معظم النساء الاعضاء ستسهم في رفع أداء المجلس،فهن كوادر وطنية مبدعات نجحن في العمل بجدارة داخل الوطن بل وحتى عالميا». ووصف السعدون المجلس الجديد بأنه فرصة رائعة وقفزة نوعية لتحقيق أداء أفضل للمجلس، وللمساهمة بصورة واقعية في معالجة كل هموم المواطنين والوطن. ونص الأمران الملكيان على أن تعدل المادة الثالثة من نظام مجلس الشورى لتصبح بالنص الآتي: «يتكون مجلس الشورى من رئيس ومائة وخمسين عضوا، يختارهم الملك من أهل العلم والخبرة والاختصاص، على ألا يقل تمثيل المرأة فيه عن (20 في المائة) من عدد الأعضاء، وتحدد حقوق الأعضاء، وواجباتهم، وجميع شؤونهم بأمر ملكي»، وتعديل «المادة الثانية والعشرين لتصبح: «تتكون كل لجنة من اللجان المتخصصة من عدد من الأعضاء يحدده المجلس على ألا يقل عن خمسة، ويختار المجلس هؤلاء الأعضاء، ويسمي من بينهم رئيس اللجنة ونائبه، ويؤخذ في الاعتبار حاجة اللجان، واختصاص العضو، ومشاركة المرأة في اللجان». وجاء في الأمر الملكي أن للمرأة أن تتمتع في عضويتها بمجلس الشورى بالحقوق الكاملة للعضوية، وتلتزم بالواجبات، والمسؤوليات، ومباشرة المهمات، وأضاف: «تأكيدا على ما ورد في ديباجة أمرنا هذا، تلتزم المرأة العضو بضوابط الشريعة الإسلامية، دون أي إخلال بها ألبتة، وتتقيد بالحجاب الشرعي، ويراعى على وجه الخصوص أن يخصص مكان لجلوس المرأة، وكذلك بوابة خاصة بها للدخول والخروج في قاعة المجلس الرئيسة، وكل ما يتصل بشؤونها بما يضمن الاستقلال عن الرجال». وكان مما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين، في خطاب سبتمبر 2011، أن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب مهم، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين، وقال حينها «لأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه، وأيدوه، فقد قررنا التالي: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا اعتبارا من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية، واعتبارا من الدورة القادمة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف». وفي تحليله للمشهد الإعلامي الذي نشأ عن الأمر الملكي قال الكاتب الصحفي "عبد الرحمن الراشد" في جريدة الشرق الأوسط اللندنية : لمَ الضجة والحفلة الإعلامية الصاخبة التي أعقبت الإعلان عن دخول المرأة السعودية مجلس الشورى؟ .. للبعيد تبدو المسألة هينة، فكل المجالس النيابية في العالم، تقريبا، فيها نساء برلمانيات، وبالتالي ما المثير في دخول ثلاثين امرأة مجلس الشورى السعودي؟...القصة طويلة ومعقدة، وهي أكثر من مجرد "امرأة ومقعد" في الشورى. يمكنني اختصارها بالتذكير بأن المملكة أصدرت حديثا قرارات تأنيث بعض المحلات التجارية، أي أن يسمح للمرأة بأن تعمل في البقالات ومحلات اللوازم النسائية، وحتى هذه المهن السهلة يدور حولها جدل ومشادات بين أطراف في المجتمع. وبالتالي، عندما يفتح باب مؤسسة سياسية للمرأة فهذا قرار شجاع آخر من الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي دأب خلال السنوات الماضية على فرض توسيع مكان ومكانة المرأة السعودية في كل المجالات تقريبا، من التعليم وابتعاث آلاف منهن للدراسة في الجامعات في أنحاء العالم، إلى فرض توظيفهن في مهن جديدة. أيضا، أدخلهن الملك في سلك المناصب الحكومية العليا، والمشاركة في إدارة الوزارات والعمل الدبلوماسي، والتي كانت من قبل كلها حكرا على الرجال. لهذا نحن أمام حالة تغيير وتطوير يقودها الملك تعبر عن حاجات البلاد الحديثة، وتعبر عن حقوق المرأة كذلك، والتي كانت دائما مشاركة في التاريخ الإسلامي ولم تكن حبيسة بيتها كما يزعم المعارضون. وحتى في الأعراف المحلية السعودية نفسها كانت المرأة في الماضي معينة للرجل في الحقل والحرب والسوق والنقاش والشعر، لكن التغيرات الحديثة بدلا من أن تطور وضع المرأة أربكت المفاهيم والأدوار في حياة المجتمع الذي انتقل فيه تسعون في المائة من السكان من مجتمع بادية وأرياف إلى حواضر مدن ضخمة. والحقيقة أن الملك لم يكتف بإصدار الأوامر في السنوات الماضية، بل كان يعبر دائما في مجالسه العامة عن شعوره وسياسته بضرورة إفساح المكان وإعطاء الفرص للمرأة، يخاطب المواطن العادي الذي يثق فيه وفي رؤيته وقراراته. ومع أن الكثيرين يدركون أن المملكة تغيرت على مدى العقود الماضية والنساء، كأفراد، شهدنا لهن إنجازات عظيمة داخليا وخارجيا، لكن البعض لا يعي المعاني الكبيرة لإدخال ثلاثين امرأة في مجلس الشورى، أعني رمزيته، مثل أن الدولة هي التي تقود المجتمع وتقوم بعملية انتقال تدريجية. فإن نجحت الحكومة في خطتها للمرأة، تكون قد عدلت الكثير من الموازين، تحسن من دخل الأسرة الاقتصادي، وترفع من حجم مشاركة مواطنيها في السوق، وتدخل قيما اجتماعية في النظرة للمرأة مكانة وحقوقا. لم يعد منطقيا أن تدرس مليونا بنت، وبعد أن يتخرجن في أفضل الجامعات لا يعطين مكانهن الوظيفي والمجتمعي والسياسي والاقتصادي. والقائمة التاريخية للسيدات السعوديات التي أذيعت الجمعة كأول أعضاء لمجلس الشورى تضم في معظمها حملة شهادات علمية عليا، وبعضهن بخبرات دولية. لقد كان يوما سعيدا للسعوديين جميعا، وبعد فسح ثلاثين مقعدا للنساء في مجلس الشورى نتطلع إلى تمكين مئات الآلاف من البنات السعوديات المؤهلات للعمل في وظائف وأعمال مختلفة، حتى تتغير خريطة السوق والمجتمع إلى الأفضل.