"لقد تقدمت باستقالتي كأمين عام للمجلس القومي لحقوق الإنسان وأنا مرتاح الضمير.. لا يمكن أن أسير في اتجاه عكس قناعتي.. كنت مقتنعا بضرورة التضامن مع زملائي الباحثين والموظفين في المجلس، الذين رأوا في الإعلان الدستوري عوارا شديدا وانتهاكا لأبسط حقوق الإنسان، التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير المجيدة". قائل هذه الكلمات المؤثرة والجريئة هو السفير محمود كارم، قرأتها منشورة في إحدى الصحف، صبيحة اليوم التالي من تقديم استقالته، يوم 12 ديسمبر الماضي. تزامنت التصريحات المنسوبة إلى السفير كارم مع ذروة مظاهر الاحتجاج التي أبداها أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، وقتها، وصل الغضب إلى حد تقديم إستقالات جماعية، بلغت 9 استقالات من بين 27 عضوا، أي الثلث، فضلا عن قيام أسرة الأمانة العامة بالتظاهر، تأكيدا على ضرورة حيدة وإستقلالية وضمان السلامة والنزاهة في أداء المجلس. المظاهرات اندلعت احتجاجا على أداء رئيس المجلس المستشار حسام الغرياني الذي كان يرأس جمعية تأسيسية، مطعونا في شرعيتها، وتنديدا بتقاعس فريقه المعين، من مجلس شورى، مطعون في شرعيته هو الآخر، عن تسجيل موقف واضح وصريح، يتفق مع صميم عمله، فور صدور إعلان 21 نوفمبر، سيئ الذكر وغير الدستوري، فضلا عن تغييب أي دور للمجلس في المناقشات، التي جرت على مسودة الدستور، ما ورد فيها من مواد مقيدة للحريات والحقوق والمساواة والمواطنة والعدالة الاجتماعية. لقد ثمنت القوى السياسية والوطنية الفاعلة، الموقف الشجاع للسفير كارم واختياره بملء إرادته الانضمام إلى صفوف أسرة الأمانة العامة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، المدافعة عن الحيدة والاستقلالية والنزاهة، بدلا من الحرص على الكرسي والبدلات والوجاهة الاجتماعية، وتعبيرا عن تعاطفها مع المحنة التي مر ويمر بها المجلس القومي لحقوق الإنسان، تحت قيادته الحالية، بعكس ما بدا ويبدو من مواقف انتهازية لدبلوماسيين آخرين، ممن تقلدوا مناصب عليا، لم أستغرب الموقف الشجاع للدكتور محمود كارم، الذي يعتبر أداؤه امتدادا لخلاصة المدرسة الدبلوماسية المصرية، الراقية والمتميزة، وقد اقتربت شخصيا من الرجل لمدة سنتين كاملتين، إبان عملي كمراسل للأهرام في طوكيو، وخلال مهمته كسفير لمصر في اليابان، في أوائل العقد الماضي. بعدها كنت متابعا لنشاط السفير كارم، كمساعد لوزير الخارجية لشئون المنظمات الدولية والشئون الآسيوية، وكسفير لمصر لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلنطي ومملكة بلجيكا ودوقية لوكسمبورج حتى عام 2009، إلى أن جرى انتخابه أمينا عاما للمجلس القومي لحقوق الإنسان، في شهر مارس عام 2010 وإعادة انتخابه في شهر أبريل 2011، وللمرة الثالثة في سبتمبر 2012، وحتى تقدم باستقالته، رسميا، منذ شهر بالتمام والكمال. وقتها، صدرت العديد من المؤشرات والدلالات التي تشي ب"أخونة" مجريات العمل في المجلس القومي لحقوق الإنسان، كما جرى تسريب معلومات للإعلاميين والصحافة بما يشير إلى امتعاض مؤسسة الرئاسة من أداء كارم، بل.. ومخاطبة المؤسسة المذكورة لوزارة الخارجية لترشيح سفراء آخرين لهم خبرة في مجال حقوق الإنسان لاختيار أحدهم أمينا عاما للمجلس بدلا منه. هذه كلمة واجبة، أكتبها في حق الرجل، بعد أن ترك السفير محمود كارم الساحة، وسوف يذكر له التاريخ أنه قاد فريق الأمانة العامة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، في أحلك الظروف، وفي ظروف صعبة ومعقدة للغاية، وبدون أي إمكانات، خاصة، بعد أن احترق مقره ومحتوياته بالكامل، عقب قيام ثورة 25 يناير المجيدة عام 2011. حينئذ، عكف الأمين العام ومساعدوه على إعادة تأهيل المبنى القديم، المخصص له، وعقد الاجتماعات ومواصلة المشروعات مع الجهات الحقوقية المحلية والأجنبية، وإصدار التقارير السنوية، وتشكيل بعثات تقصي الحقائق، وضمان إنتظام العمل، والامتثال لمعايير باريس، كمؤسسة حقوقية وطنية، فضلا عن نجاح الأمانة العامة في التحدي عند امتثال المجلس لعملية التصنيف الكبرى من لجنة الاعتماد بمفوضية حقوق الإنسان بجنيف في شهر يوليو عام 2011 بعد مرور مدة 5 سنوات على بدء عمله. نقلا عن جريدة الأهرام