فيما يبدو سباقا مع الزمن فى الداخل والخارج ،ما بين جولات مكوكية وتحالفات داخلية ، يحاول رئيس الحكومة العراقية نورى المالكى إنقاذ موقف حكومته التي تتهاوى على وقع الانسحابات المتتالية للكتل الرئيسة المشاركة في العملية السياسية .. محاولات المالكى لانقاذ حكومته اوقعته فى المحظور على مايبدو كمايرى المحللون ،حيث تجاوز الخطوط الحمراء فى ضوء عدد من الأمور أبرزها أن إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش لم تبارك زيارته لإيران التى تعتبرها المسئولة عن تدهور الأوضاع في العراق ، والتى ادت ان يطلق بوش تهديدا يعتبر الأقوى من نوعه عندما اشار الى الثمن الذى سيدفعه المالكى اذا ماكان سيؤدى دوراً غير بناء مع إيران . السقطة الثانية لحكومة المالكى كمايرى المراقبون هى عدم مباركة إدارة بوش للتحالف الرباعى الشيعى الكردى ، والذى يستبعد السنة ويعمق الطائفية وهو مايتعارض مع خطط بوش الحالية لإقناع السنة بوقف المقاومة مقابل إدماجهم فى العملية السياسية . وفيما يبدو ان المالكى يخطو خطوات غير محسوبة بزيارته لبعض الدول التى تهدد المصالح الامريكية مثل ايران وتركيا وسوريا ،والتى تقتضى مصالحها مساومة الاحتلال الامريكى وليس حكومة المالكى التى أوشكت على الغرق . فإيران تطمع في الحصول على تنازلات بشأن برنامجها النووى مقابل دعم الاستقرار في العراق . وتركيا تهدف لإنهاء الوجود العسكري لمقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق . بينما سوريا ترغب في تخفيف حدة الضغوط الدولية عليها ، ولذا فإن المالكى بحسب المراقبين يلعب في المكان الخطأ .
وفى السياق نفسه يرى آخرون ان إنقلاب الرئيس بوش على المالكى قد يكون سببه التصريحات التى أدلى بها فى العاصمة السورية دمشق بأنه لايحمل رسالة من أحد ..وكان تصريح الماكى ردا على تصريح من البيت الابيض استبق زيارته الى سوريا مفاده ان المالكى يحمل رسالة شديدة اللهجة للنظام السورى تطالبه فيها بمنع تسرب المسلحين عبر الحدود السورية العراقية وتطالبه أيضا بوقف دعم المتمردين داخل العراق .. رئيس وزراء العراق وجد نفسه فى موقف حرج خاصة وأن ما أعلنه البيت الأبيض جاء قبل أن يلتقى والرئيس بشار الأسد طلبا للمساعدة فى تحقيق الاستقرار والأمن بالعراق مما دفعه إلى نفى تصريحات البيت الابيض .
موقف الرئيس بوش من المالكى وحالة عدم الرضا عن أدائه تزامن أيضا مع عدم رضا السفير الأمريكى لدى العراق رايان كروكر عن أداء الحكومة العراقية ،والذى أعلن أن التقدم فى تحقيق الأهداف الأمريكية بالعراق مخيب بشدة للامال ، محذرا من ان الدعم الامريكي لحكومة المالكي ليس مضمونا الى ما لا نهاية ، وان الدعم الامريكى لحكومة المالكي ليس "شيكا على بياض"..على حد قوله .. ومن المقرر ان يرفع السفير الامريكى فى العراق رايان كروكر والجنرال ديفيد بتريوس قائد القوات الامريكي تقريرا عن مدى التقدم المحرز في العراق الى بوش والكونجرس شهر سبتمبر المقبل .
تصريحات بوش للصحفيين في أعقاب اجتماعات مع زعيمي كندا والمكسيك اكدت كلام كروكر من ان الحكومة العراقية لم تعد قادرة على وقف الصراع السياسى ولم تتمكن من تمرير قانون بخصوص عائدات النفط ، وهو مايدعو لخيبة الأمل فى حكومة المالكى . واوضح بوش ان الحكومة العراقية في بغداد أمامها كثير من الإجراءات التي ما زال يتعين عليها التعامل معها مثل إصلاح قوانين اجتثاث البعث وتنظيم الانتخابات الإقليمية وإصدار قانون يضفي صبغة رسمية على اقتسام موارد النفط.
وكان كارل ليفين رئيس لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي الذي عاد مؤخرا من زيارة للعراق قد دعا الى التصويت على عزل حكومة المالكي من السلطة لانها لم تتمكن من التوصل لحلول وسط لمشاكل سياسية رئيسية.
اخر دعوة لاستبدال المالكي جاءت على لسان عضو الكونجرس الامريكي والمرشحة الابرز في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي لعام 2008 هيلاري كلينتون ، والتى قالت في بيان لها "ان على مجلس النواب العراقي اختيار شخصية لشغل منصب رئيس الحكومة تجمع العراقيين ولا تعمل على تقسيمهم ويكون قائد جديد أكثر قدرة على توحيد الأطراف السياسية المتخلفة.
وعلى الرغم مما سبق فقد عاد الرئيس الامريكى جورج بوش وخفف من لهجته ضد المالكى بعد يوم واحد من تصريحاته التي أعرب فيها عن إحباطه من أداء الحكومة العراقية ، مجددا دعمه للمالكى موضحا ان "المالكي شخص جيد يقوم بعمل صعب "
وكان المالكى فى معرض رده على الانتقادات الأمريكية التي عبرت عن إحباط " البيت الأبيض" من سير العملية السياسية في العراق ،قال إنه لا توجد جهة لها الحق في وضع جدول زمني لما تفعله حكومته ،مؤكدا ان حكومته منتخبة من الشعب ،ومشيرا الى ان اهتمامه ينصب على شعبه ودستوره وان بوسعه العثور على "أصدقاء آخرين" ... وعزا المالكي الانتقادات الموجهة إليه من إدارة بوش وسياسيين أمريكيين إلى استعدادات الحملة الانتخابية الرئاسية فى الولاياتالمتحدة ، مضيفا ان الواقع الاميريكي فيه تناقضات ادارية وفيه مخاضات تعبر عن نفسها بانتقادات وتصريحات احيانا من قبل مسؤولين او ربما حزبيين غير مسؤولة وخارجة عن اللياقات الدبلوماسية والسياسية. ويتنامى الاستياء من حكومة المالكي التي أصيبت بالشلل ويتعرض رئيس الحكومة العراقية إلى ضغوط متزايدة من الولاياتالمتحدة التي تشعر باحباط من وتيرة التقدم السياسي فيما تشن القوات الأمريكية عمليات عسكرية بهدف قمع العنف الطائفي . ولم تحرز حكومة المالكي المنقسمة تقدماً يذكر في إصدار قوانين تعزز المصالحة الوطنية حيث أن التكتلات السياسية مترددة في المصالحة، فيما استقال نحو نصف أعضاء الحكومة أو يقاطعون اجتماعاتها. ويري مراقبون أن حكومة المالكى كان محكوما عليها بالفشل منذ قدومها وذلك لأنها قامت أساسا على الطائفية وعملت كل ما بوسعها لاشعال نيران الفتنة بين الشيعة والسنة . ويبدو أن أيام المالكى فى السلطة باتت معدودة حيث تشير تقارير صحفية إلى أن واشنطن تعد العدة للإطاحة بالمالكى بعد أن بات يشكل عائقا أمام محاولاتها لاحلال الاستقرار والانسحاب السريع من العراق