ليس من شك في أن ثورة 25 يناير2011 أعادت الروح إلى الشعب المصري بعد أن ظن الكثيرون أن روح الثورة قد ماتت في هذا الشعب أو أن ثورات: عرابي و1919 والضباط الأحرار لم تكن إلا انتفاضات في حياة الشعب المصري أو "هبات" لن تتكرر!! لكن هل أتت هذه الثورة أكلها؟ يرى الإعلام الغربي أن هذه الثورة وإن أصبحت مثلا يحتذي في العالم أجمع، فإن التخوف من "ثورة مضادة" تسعى إلى إجهاض هذه الثورة العظيمة بات قاب قوسين أو أدنى، والدليل على ذلك المظاهرات التي لا تكاد تنقطع في مصر والخوف من تحويل هذه الثورة "الأم" إلى فوضى! ولا مانع من وجود من يتحدث عن الفوضى الخلاقة التي بشرتنا بها كوندواليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة يوما ما.. وإلا بالله عليك ما هذه الاحتجاجات التي تحدث في شارع محمد محمود وشارع يوسف الجندي وبقية المناطق المحيطة بشارع قصر العيني وميدان التحرير.. صحيح أن "الإخوان" هم الذين يحكمون مصر اليوم.. وصحيح أيضا أن "الإخوان" كان إعلام مبارك المخلوع يسميهم "الجماعة المحظورة" أما اليوم يسمون "الجماعة المحظوظة"! بالنظر إلى المواقع التنفيذية التي يشغلها هؤلاء المنتمون إلى الجماعة.. لكن هذا لم يمنع الكثيرين من التساؤل: إلى أين تتجه مصر اليوم؟.. وفي ضوء الأزمات التي تتحكم في مصائر الناس وتعقد مستقبل الجمعية التأسيسية الخاصة بالدستور.. ثم الكوارث التي تعلق الواحدة منها بالأخرى مثل كارثة قطار الصعيد، والمظاهرات التي تطال جميع القطاعات، مثل مظاهرات المعلمين، والمحامين، وسائقي الميكروباص.. أقول في ضوء كل هذه الأزمات أصبح السؤال عن مصر وإلى أين تتجه.. يملأ الأفواه.. على كل لسان! وعلى كل حال الشعب المصري ليس نادما على اختياره جماعة "الإخوان" لكي يحكموه.. فالسياسة يجب ألا تعرف ندما أو "ترددا".. فمثلما حكم اليساريون، وكانت لهم الغلبة في عهد عبدالناصر.. وحكم الرأسماليون مصر في عهد السادات الذي كان يرى أن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا والدول الغربية.. ومثلما كانت الغلبة لليبرالية الجديدة في عهد مبارك المخلوع، فليس قليلا أن يحكم "الإخوان" كفصيل سياسي عبر حزب الحرية والعدالة الذي يسمى "الجناح السياسي للجماعة".. لكن ذلك لم يمنع من عدم رضاء غالبية الشعب المصري عن أداء الجماعة ولديهم شعور بأن الجماعة تنفصل عنهم رويدا رويدا.. وفي قضايا بعينها يشعرون بأن "الإخوان" يفعلون كما كان يفعل الحزب الوطني المنحل.. وبالتالي فالخوف على الثورة يأتي من داخل "الإخوان" الذين استفادوا كما لم يستفد أحد من ثورة 25 يناير..! فالحزب الوطني المنحل كان يتعامل مع جموع الشعب بفوقية مقيتة وكان بطيئا في إجراءاته، ثم يعد ولا ينفذ وعوده ويتعامل بعنف مع تمرد البعض ومظاهرات البعض الآخر.. ويحرص على تجذير الهوة بين "القائد" و"الشعب".. وهذا هو عين ما يفعله حزب الحرية والعدالة.. فالعدالة لم تأخذ مجراها في أحداث محمد محمود الأولى.. وتحدث "الإخوان" عن القصاص.. لكن لم يحدث شيء حتى الآن؟! العنف مازال سيد الموقف.. والمظاهرات كانت في قطاعات بعينها.. لكنها اليوم طالت جميع القطاعات.. باختصار.. لقد مر ما يقرب من عامين على ثورة 25 يناير.. لكن لم يحدث شيء ذو بال.. فالسجون مكتظة بشباب في عمر الزهور.. ولم يخرج إلى الحرية إلا التابعون للإخوان فقط! والأموال المنهوبة لا تزال هاربة ولم تعد.. والانفلات الأمني يضرب أطنابه في المجتمع.. والمظاهرات تعكر صفو الراغبين في البناء والعمل.. باختصار مصر لم تعد مصر التي كانت..! الكل يتساءل: ماذا حدث لمصر بعد ثورتها التي كان يضرب بها المثل في العالم؟!.. يقول الناس إن " الإخوان" كانوا يعملون منذ أكثر من ثمانين عاما.. لكي يصلوا إلى مقعد السلطة.. لكنهم ما أن وصلوا حتى انتهى كل شيء! فالأزمة في مصر هي أزمة إدارة وهم لم يسبق لهم أن أداروا أو حكموا قبل ذلك.. ولذلك وجدت مصر نفسها تحت "إدارتهم" أشبه بالعربة التي وجدت نفسها في "حارة سد".. باختصار يجب أن يستقوي "الإخوان" بالداخل مرة أخرى.. ويجب ألا ينسى "الإخوان" هذه اللحظة التاريخية التي يمسكون فيها بزمام الأمور في مصر.. تلك اللحظة التي قد لا تتكرر كثيرا! على أن يكون ترموميتر العلاقة مع الشعب في حالة توصيل دائم! أما الانسلاخ عن الناس.. وتغليف وجودهم في السلطة بسدود وعقبات فسيبعدهم عن الشعب.. ويجعلهم صورة مكررة للحزب الوطني المنحل.. وهذا ما لا يريده الإخوان قطعا.. ولا يريده الشعب أيضا.. وليبق الشعب أبدا هو السيد وليس الحاكم مهما يكن. نقلا عن جريدة الأهرام