لا شك أن المصالحة الوطنية مع رموز النظام السابق ستعيد الاستقرار المأمول. وستعيد الأموال المنهوبة والمهربة للخارج التي يصعب عودتها إلا بموافقة واعتراف المسئولين عنها وليس بالأحكام القضائية التي تحتاج إلى وقت وجهد حتى تقتنع الدولة الحاضنة لهذه الأموال باعادتها وفق القوانين المعمول بها في هذه الدول. ومن غير المقبول أو المعقول ان تتسول الدولة قروضا واعانات ومنحا من الدول الأجنبية وابناؤها يحتضنون المليارات المهربة في الخارج أو في خزائنهم الداخلية. ولا شك أن الموجودين داخل السجون اذا اتيحت لهم فرصة الانطلاق خارج السجون والحرية الشخصية بالمصالحة مع الدولة لن يبخلوا على الدولة بأموالهم المجمدة مقابل فك أسرهم واحساسهم بالحرية والانطلاق في العمل الحر والشريف. اعتقد انه بدلا من ان تتحمل الاجيال القادمة عبء رد القروض والمنح بفوائدها، وأموال الآباء والأجداد مجمدة في الخزائن أو مطادرة في الخارج ولا أمل في عودتها بسهولة. اعتقد بعد ثورة 25 يناير وانطلاق الحرية والشفافية أن الكثير من المصريين الذى أثروا على حساب الشعب لا يمانعون الآن من عودة كل أو جزء من هذه الأموال للشعب ينعم به بشرط اطلاق سراحهم وضمان عودتهم للعيش في سلام وأمان داخل المجتمع. وشرائعنا السماوية والدين الاسلامي يدعو للتسامح والتصالح والمحبة مادامت الحقوق المنهوبة ترد للشعب. ولا مانع ان تصبح المصالحة مدخلا جديدا لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية التي طالبت بها ثورة 25 يناير ضد الظلم والفساد وسرقة أموال الشعب ومقدراته بعد ان ينال المجرم جزاءه وعقابه ويعترف بجريمته ويرد الحق لصاحبه. واعتقد أن الثورة قد حققت اهدافها ولن تعود إلى الوراء ابدا بعد أن تغير النظام ودخل رموزه السجون ليحاسبوا على ما اقترفوه من جرائم، وما جنته أيديهم من نهب وسلب ومظالم. وبقى أن ينعم الشعب باسترداد أمواله المنهوبة لتقوم قائمته على أسس العدالة الاجتماعية وليس بالأموال المقترضة أو المنح التي يسددها ويدفع ضرائبها الأجيال المقبلة. وأعتقد انه آن الأوان لأن ننظر إلى فكرة المصالحة المجتمعية لإعادة الأموال المنهوبة بدراسات واعية ومصالحة وطنية شريفة لا غادرة ولا حاقدة، بعد أن مضى على ثورة يناير نحو عامين، ورغم ذلك ما زال الموقف غامضا من امكان عودة الأموال المنهوبة أو المجمدة من الخارج. ولن نستفيد من اعدام رموز النظام السابق أو سجنهم مدى الحياة دون استعادة هذه الأموال. ويجب ان تكون الأولوية لاستعادة أموال الشعب ليشعر أن ثورته حققت وجنت ثمارها بعودة أمواله المنهوبة حتى تتغير حياته للأفضل. والخوف أن نظل ننتظر ويطول هذا الانتظار للحد الذي نفقد فيه حق الشعب في استرداد أمواله في الوقت الذي انهار فيه الاقتصاد المصري وضاعت المدخرات وازدادت المطالب الفئوية وتوقف الانتاج والاستثمار! نريد أن يقف البلد على قدميه وينطلق الاستثمار والانتاج بأموال الشعب الحقيقية وحرصا من رموزه السابقة على انتشاله من الديون التي لا طائل منها إذا استمر الموقف من استرداد الأموال مجمدا. ولا شك أن التصالح مع مواطنينا أجدى ألف مرة من التسول ومد اليد إلى الدول الأخرى طلبا للمنح والقروض للخروج من أزمتنا الاقتصادية، في الوقت الذي تستطيع فيه الدولة ان تحصل على المليارات من مواطنيها سواء المحكوم عليهم في قضايا أو المحبوسين على ذمة التحقيق من الرموز السابقة أو المطاردين ويعرضون التصالح في القضايا نظير وقف مطارداتهم. ولا شك أن المصالحة الوطنية والتوافق هما السبيلان الوحيدان للخروج من أزماتنا، اما الإقصاء والتشفي وسياسة الانتقام والاذلال ستعيدنا للوراء وستؤدي إلى استمرار حالة الانقسام بين مختلف أطياف المجتمع. ولن ينجح الاخوان في نقل مصر للامام بمفردهم، وعليهم أن يمدوا أيديهم لكل من يتطهر من الذنب السابق. وكل من يريد المساهمة في التنمية وايجاد فرص عمل للملايين من رجال الاعمال الشرفاء، فوطننا يحتاج إلى كل يد تريد ان تبني ولا تهدم. والتصالح مع رجال الاعمال ممن في السجون وخارجها هو الحل الوحيد والعاجل لضخ المليارات في خزينة الدولة، بعيدا عن مد أيدينا للدول شرقها وغربها. وتحميل الأجيال القادمة مالا يطيقون، واعتقد أن المصريين وحدهم هم القادرون على بناء وطنهم وبإمكانهم القيام بذلك اذا صدقت النوايا وتطهرت القلوب، دون الحاجة إلى التسول من الخارج. والآن فلقد أصبح التصالح مع جرائم المال العام ضرورة تحتمها الحالة الراهنة في البلاد، بدلا من التسول والاقتراض، خصوصا بعد ان بدا واضحا ان العالم يتعامل بلا مبالاة مع أموالنا المهربة، وبالتالي فلن نحصل على أي منها إلا بعد طول معاناة لو تم ذلك. نقلا عن جريدة الأهرام