كل مظاهر الصيف حجبها حتى الآن شهر رمضان المعظم، الذى نودعه اليوم وكلنا رجاء فى الله عز وجل أن يكون قد تقبل صالح أعمالنا وندعوه سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ما تقدم وما تأخر من ذنبنا.. معظم الناس بدأ بالفعل الإعداد للصيف والمصيف المصاحبين لعيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا جميعاً باليمن والبركات. وإذا كان الناس سواسية فى شعائر رمضان، فهم ليسوا كذلك فى طقوس المصيف.. وإن كان من بين أهداف الصيام أن يشعر القادر بغير القادر، فالعكس صحيح فى المصيف.. فبدعوى الاستجمام والراحة من شهر قضاه معظم الناس فى راحة، يتوجه اليوم عشرات الآلاف إلى مصايف الساحل الشمالى باهظة التكلفة لينهلوا جزءا مما أنفقوه على شراء قصور وفيلات وشاليهات الساحل، لأنهم يعلمون أنهم أنفقوا الملايين على أماكن لا يستطيعون الاستمتاع بها إلا لفترة قصيرة من العام.. لن أتحدث هنا عن الفقراء ومتوسطى الحال، حيث أقصى طموحهم زيارة الأهل فى الريف، ويحسبون سعر تذاكر القطار أو الأتوبيس أكثر من مرة قبل الإقدام على هذه المغامرة. قرى ساحلية بأكملها كانت مغلقة لمدة تزيد على التسعة أشهر منذ انتهاء صيف العام الماضى، يتوجه هؤلاء إليها اليوم وغدا.. ومن لا يملكون وحدات هناك سوف يضطرون لإنفاق آلاف مؤلفة لإيجار فيلا أو شاليه لمدة أسبوع أو اثنين، لأن الوجاهة الاجتماعية تحتم عليهم فعل ذلك.. والحجة الحاضرة دائماً هى «الأولاد عايزين يروحوا الساحل».. إذن الأولاد هم السبب وليست الوجاهة الاجتماعية للأولاد وللأهل أيضاً. ولكن ما يستفزنى فى هذا المشهد هو كم السيارات الفارهة والمتوسطة التى ستملأ طريق القاهرة- العلمين ممونة بملايين اللترات من البنزين المدعم لتصل بالسادة المصطافين إلى قصورهم وفيلاتهم وشاليهاتهم.. سوف تشتعل المصايف بحفلات رائعة تستهلك ملايين الكيلوات من الكهرباء المدعومة وربما المسروقة، الله أعلم.. وستروى الحدائق وتمتلئ حمامات السباحة بمياه مدعومة، حيث لا بديل آخر غير المدعوم. بالمناسبة معظمهم هم نفس من سخروا من إعلانات جمع التبرعات، ومن نداء «اتبرع لمصر بجنيه» ويعايروننا بأننا «شحاتين» و«اقتصاد الدول لا يقوم على التبرعات»، رغم تحفظى على كثير من حملات التبرع التى أساءت للفقراء. كل شخص حر فى ماله وليهنأ به طالما كان من مصدر شريف أو حتى لو لم يكن من مصدر شريف ولم يتم اكتشافه بعد، فالله هو المطلع على القلوب وعلى الأسرار حتى تنكشف لبنى الإنسان.. ولكن فليهنأ هؤلاء بمالهم هم وليس بمالنا نحن.. مثلا، فليملأوا سياراتهم ببنزين 95 غير المدعوم فينطبق عليهم المثل الشعبى «من ماله ولا يهنى له» لأنهم لم يكلفونا جنيها واحدا من دعم الطاقة.. وجب على القرى الفاخرة أن تستخدم الطاقة الشمسية وحدها للإنارة، لأن السكان دفعوا مبالغ طائلة لشراء وحداتهم وباقى المواطنين ليسوا شركاء فيما تحصلت عليه الشركات المطورة.. كذلك بالنسبة لوحدات معالجة مياه الصرف لرى الحدائق وهناك قرى محرومة من نقطة ماء نظيف. هذه مجرد أمثلة، ولكن هل فكر أعضاء مجلس النواب الموقرون أن يتقدموا بمشروع قانون لتحقيق ذلك بدلا من الضوضاء المثارة حول إلغاء التوقيت الصيفى بحجة أنه «مالوش لازمة» أو «بيلخبط الناس».. أنا لا أدافع هنا عن موقف الحكومة الضعيف والرافض لإلغاء التوقيت الصيفى، لأنها أخطأت فى عدم قدرتها على شرح فكرة تغيير الساعة. الخلاصة، كل سنة وأنتم طيبون.. استمتعوا بالمصيف كيفما شئتم ولكن على حسابكم وليس على حساب باقى الناس، أو كما قال المثل «اللى يفنجر.. يفنجر من جيبه».