لم يكن أحد يتوقع أن ترد روسيا بمثل هذه السرعة علي محاولات الولاياتالمتحدة الرامية إلي نشر درعها الصاروخية في وسط أوروبا وتحديدا في دول تعتبرها الحديقة الخلفية لها. فقبل أيام اختبرت موسكو بنجاح صاروخا باليستيا جديدا متعدد الرءوس تم تصميمه تحديدا للتغلب علي أنظمة الدفاع الصاروخية التي تحاول واشنطن نشرها في وسط أوروبا, أنطلق الصاروخ من المنطقة الواقعة شمال شرقي أرخانجسلك وأصاب هدفه في شبه جزيرة اكمتشانكا داخل مياه المحيط الهادي علي بعد ستة آلاف كيلو متر من منطقة الاطلاق. ونعتقد ومعنا الكثير من الخبراء العسكريين أن الصاروخ الذي أطلقت عليه روسيا اسم( آرإس 24) سوف يدعم ويزيد من قدرات القوات الصاروخية الاستراتيجية الروسية في تغلبها علي أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ والحاق الهزيمة بها. ولم يكن غريبا أن تجري هذه التجارب الصاروخية من جانب روسيا علي التوازي مع الحملة الدبلوماسية التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علي الدرع الصاروخية الأمريكية التي تحاول نشرها في أوروبا وهو ما تنظر إليه روسيا علي أنه محاولة لتقليم أظافرها النووية الأمر الذي قد يؤدي إلي ميل التوازن النووي بين البلدين لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية. إلا أن سيرجي ايفانوف النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي والمرشح بقوة لخلافة بوتين كان من أبرز المؤيدين لرئيسه ووصف الخطوة الأمريكية بأنها لعب بالنار لذلك عندما نجحت تجربة الصاروخ الروسي الجديد أكد أن هذه الصواريخ تستطيع التغلب علي كل أنظمة الصواريخ المضادة في العالم وأضاف أنها مزودة بتكنولوجيا قادرة علي اختراق كل الأنظمة الصاروخية الموجودة في العالم اليوم وأن الروس بذلك يستطيعون النظر إلي مستقبلهم بهدوء تام ودون شعور بأي تهديد. المعروف أن الولاياتالمتحدة كانت قد خططت لانشاء قاعدة رادارية في جمهورية التشيك ووضع10 من الأنظمة الصاروخية المضادة للصواريخ في بولندا بدعوي أن هذا الاجراء سيسهم في حماية أوروبا حال تعرضها لهجمات صاروخية من إيران أو كوريا الشمالية, وأكدت واشنطن أن ذلك لا يشكل أي تهديد لروسيا. الدخول في سباق التسلح : ورد بوتين علي ذلك بتحذير من أن بلاده ستقوم بتجميد بنود معاهدة ضبط الأسلحة التقليدية في أوروبا, وأن استمرار الولاياتالمتحدة في خططها سوف يدفع الجميع إلي الدخول في سباق تسلح جديد الأمر الذي جعل الخبراء يصفون الظروف التي تحيط بالعلاقات الأمريكية الروسية بأنها عودة إلي أجواء الحرب الباردة التي سادت بين الاتحاد السوفيتي السابق والولاياتالمتحدة في الفترة ما بين بعد الحرب العالمية الثانية وبدايات تسعينيات القرن الماضي. ويلاحظ هنا رغم أن الروس يعتبرون الخطط العسكرية الأمريكية في أوروبا استفزازا لا لزوم له فانهم من جانبهم كانوا حريصين علي عدم استفزاز أحد بصواريخهم الجديدة القادرة علي إزالة كل النظم الصاروخية الموجودة عندما أعلنوا أن صواريخ( آر إس 24) تتوافق مع شروط معاهدة( ستارت 2) الموقعة مع أمريكا والتي تضع قيودا علي استخدام الصواريخ متعددة الرءوس. ويصف الروس صاروخهم الجديد بأنه( عبقري) ويستخدم التكنولوجيا المتقدمة جدا المزودة بها صواريخ( توبول إم) التي تستطيع أيضا اختراق كل تدابير الدفاع الجوي الموجودة في العالم إلا أن ميزة الصاروخ الجديد أنه مزود بعدة رءوس تعمل بشكل منفصل لاصابة مجموعة من الأهداف في وقت واحد الأمر الذي يمكنها من سحق الأنظمة المعادية بكفاءة أكبر وهو ما جعل القوات الصاروخية الاستراتيجية تتبني خطة لإحلالها محل الصواريخ الاستراتيجية القديمة من طرازي( آرإس 18) و( آر إس 20) الموجودة بالخدمة حاليا. ويري ايفان سافرنتشوك مدير مركز موسكو لمعلومات الدفاع أن أهم ميزات الصواريخ الجديدة هي أنها مصنعة لأول مرة داخل روسيا نفسها التي كانت تعتمد من قبل علي تصنيع الصواريخ متعددة الرءوس الواردة من أوكرانيا احدي جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أما الكسندر جولتس المحلل العسكري الروسي فقد وصف الاختبار الناجح للصواريخ الروسية الجديدة بأنه يعد دفعة قوية من جانب الحكومة الروسية للتعامل بسرعة مع تهديدات القدرات الصاروخية الاستراتيجية الأمريكية. أما الهدف السياسي كما يراه فهو استعادة التوازن والتكافؤ مع الولاياتالمتحدة الذي كان من الممكن أن يصب في مصلحة واشنطن إذا ما نشرت صواريخها في وسط أوروبا دون أن تتعرض لتهديد روسي حقيقي.