قبل أن يقره بأيام قليلة أعادت المحكمة الدستورية العليا قانون العزل السياسي الذي شرعه البرلمان إلى حوزة المجلس العسكري لعدم اختصاصها بالبت فيه، لكنها تبقي أمامها دعوى بطلان الانتخابات التي أجريت على أساسها الانتخابات التشريعية، بينما لا تزال القوى السياسية متحيرة في ربط المشير بين انتخابات الرئاسة والانتهاء من إعداد الدستور، الذي لا يبدو أن صناعته وصياغته يسيرة في ظل استمرار الاختلاف والخلاف بين وجهاء السياسة في بلادنا. وهذا الموقف الملتبس يطرح عدة سيناريوهات على بساط المستقبل المنظور، تتداخل في صناعتها عوامل داخلية وإقليمية ودولية، وتتمثل في الآتي: 1 من المحتمل أن يؤجل المجلس العسكري موعد إجراء الانتخابات الرئاسية متذرعاً بأن القوى السياسية لم تنتهِ بعد من إعداد الدستور. وقياساً على ما سبق فإن المجلس فوَّت موعد خروجه من الحكم المنصوص عليه في الإعلان الدستوري الذي كان مقرراً 30 سبتمبر 2011 بحجة أن الأحزاب لم تفرغ وقتها من إعداد القانون الذي ستجري انتخابات مجلس الشعب على أساسه. ويمكن للمجلس أن يكرر الذريعة ذاتها ولكن هذه المرة بدعوى أن الدستور لم يرَ النور، ولاسيما أنه لا يوجد نص يلزمه بالرحيل، إنما مجرد تعهد شفهي أطلقه تحت ضغط الأحداث المروعة التي شهدها شارع محمد محمود في نوفمبر الماضي. 2 يمكن أن يؤدي الضغط الجماهيري المتواصل ضد المجلس العسكري إلى إجباره على النزول على الجدول الزمني الراهن بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها مع تسليم الرئيس المنتخب الصلاحيات التنفيذية الواردة في الإعلان الدستوري، مثلما قام المجلس العسكري بتسليم الصلاحيات التشريعية إلى مجلس الشعب. 3 إن تسارع القوى السياسية إلى وضع دستور مؤقت، أو إدخال تعديل جوهري على باب نظام الحكم وغيره في دستور 1971، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، ثم الإمعان والتدقيق في إعداد الدستور الذي يليق بمصر عقب ثورة 25 يناير. 4 هناك السيناريو "شبه المستحيل" وهو أن يختار البرلمان جمعية تأسيسية متوازنة وحقيقية لوضع الدستور تنتهي من صياغته في زمن قياسي، ويكون جاهزاً لإجراء استفتاء عليه قبل الانتخابات الرئاسية ولو بأيام قليلة. لكن أتصور أن المجلس العسكري الذي يملك سلطة دعوة المصريين إلى الاستفتاء قد يتباطأ ويفوِّت هذه الفرصة، إلا هذا السيناريو يبدو غاية في الصعوبة في ظل الخلافات التي لا تزال تحيط بعملية صناعة الدستور. 5 قد تقوم المحكمة الدستورية العليا بإصدار حكم ببطلان الأسس التي تم عليها إجراء الانتخابات التشريعية، الأمر الذي يعرقل عمل البرلمان، وقد يقود إلى حله. وهنا تتوقف عملية صناعة الدستور، ومن ثم تتأجل انتخابات الرئاسة، ويمتد بقاء المجلس العسكري في السلطة. 6 يمكن أن تعي مختلف القوى السياسية هذه الفخاخ المنصوبة لها، وتتصرف بمسؤولية واقتدار، فتتوحد وتغلب المصلحة العامة على مصلحة أي حزب، أو جماعة، أو تنظيم أو فصيل أو تيار، وتضغط في سبيل إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها بما يقود إلى خروج المجلس العسكري من الحكم في 30 يونيو، سواء كان الدستور جاهزاً أم لا. 7 قد تجري المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية فقط، دون الثانية، ويكون الإلغاء لأي ظروف سياسية وأمنية، حقيقية أم مصطنعة، سطحية تحملها الدعاية الفجة والصراخ الملتهب أو عميقة جارحة يمكن أن تنطلي على الناس وتقنع قطاعات منهم بالفعل. فها نحن نسمع عن "تهديد بالاغتيال يتلقاه بعض المرشحين"، وتهديد بالنزول إلى الشارع بالملايين تطلقه بعض القوى السياسية، في مقابل "غيظ مكتوم" من المجلس وصل إلى حد قول المشير خلال حضوره المشروع التدريبي (بدر 2) للجيش الثالث الميداني يوم السبت الفائت: "لن يستطيع أحد النيل من معنوياتنا من خلال التطاول على القوات المسلحة. إننا قادرون على الرد على هذه القلة والضرب بيد من حديد، ولكننا لن نسمح بذلك حتى نمر بمصر إلى بر الأمان". 8 تكتمل انتخابات الرئاسة لكن تطرأ ظروف تحول دون تسلم الرئيس السلطة، لأسباب عديدة، بما يفتح الباب أمام بقاء المجلس العسكري في الحكم. 9 قد يصدر حكم بتبرئة مبارك يوم 2 يونيو، فيفور الناس ويثوروا، وينقضوا على كل هذا المسار فيصححونه، وعلى كل ما تعاقب من أخطاء فيصوبونها، وتعود الأفكار والاقتراحات الأولى، التي تم إجهاضها، إلى طرح نفسها من جديد. 10 قد لا يكون استمرار المجلس العسكري في الحكم وفق الإطار القانوني الحالي إنما طبقاً لإطار جديد يفرضه مستغلًا أية ظروف استثنائية تطرأ على الحياة السياسية والاجتماعية. وأتحدث هنا عن "فرض الأحكام العرفية" التي لم يكف تابعون للمجلس عن التلويح بها بين حين وآخر. وفي الحقيقة أن هناك من يغامر ويقامر بمستقبل البلاد، ويدعو، قاصداً أو مستعجلاً، أو جاهلاً أو راغباً في أي خلاص سريع على حساب مستقبل الوطن، إلى "إعلان الأحكام العرفية" ويطالب ليل نهار المجلس الأعلى للقوات المسلحة باتخاذ هذه الخطوة. وهذا ليس حلاً إلا لمن من مصلحته الذاتية الضيقة أن يعيد مصر آلاف الخطوات إلى الوراء. وبالنسبة للمجلس العسكري فإن الإقدام على هذه الخطوة معناه ثورة عارمة ضده، ربما أكبر بكثير مما يراه الآن. ولذا فلا سبيل أمامه إلا ميلاد الدستور وإجراء انتخابات الرئاسة ومغادرة موقعه السياسي وعودته لدوره الطبيعي والأصلي كقادة للجيش. ولكن هذه "الأمنية" لدى مختلف القوى السياسية لا يمكنها أن تتحقق من تلقاء ذاتها، بل تحتاج إلى ضغط، بعضه سيكون بالتظاهر المباشر في ميادين التحرير، حسب ما هو مرفوع الآن، وبعضه يحتاج إلى تصرف سياسي ذكي وقاطع من برلمان يبدو، حتى الآن، عاجزاً عن إحداث اختراق سياسي حقيقي، ولا يفعل سوى التأثير في الهوامش الباردة. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية