تأسست الجمهورية التركيةعلى انقاض الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وحتى بداية الاربعينيات شهدت تركيا تحولات سياسية واجتماعية وثقافية اتسمت بالثورية والجذرية، فقد أتى النظام الاتاتوركي بتشريعات وقوانين وانماط ثقافية تختلف مع الموروثات القيمية والدينية للشعب التركي، واتسم النظام الجديد بسياسة حادة في قمعه لمعارضيه، الا ان الحركات الاسلامية ظلت تمارس انشطتها بشكل سري حتى بداية مرحلة التعددية الحزبية عام 1945 حيث بدأ «الصوت الاسلامي» يتصاعد مرة اخرى في دولة يدين 99% من شعبها الاسلام. حكومة ائتلافية وقد بدأ تغلغل «الاسلاميين» في الحياة السياسية منذ مطلع السبعينيات، حيث اعتادت تركيا على وجود حزب يتبنى بنسبة ما افكارا اسلامية، وقد نجحت بعض تلك الاحزاب وفي طليعتها حزب السلامة الوطني في دخول البرلمان والمشاركة في بعض الائتلافات الحكومية، وكان اول حزب يعرف «طعم السلطة» هو هذا الحزب بزعامة الدكتور نجم الدين اربكان الأب المؤسس لكافة الاحزاب الاسلامية التركية على مدى اربعة عقود، واذا كان التيار الاسلامي قد شارك في الحكومات كشريك اصغر خلال السبعينيات، فإن الذي لم تتعود عليه الممارسة السياسية في تركا هو تبوؤ حزب اسلامي هو حزب الرفاه وريث حزب السلامة الصدارة في الانتخابات البلدية في نوفمبر 1992، مخلفا وراءه وبفارق كبير حزبا السلطة والمعارضة الرئيسي، وكانت هذه الانتخابات المفاجئة «بداية الغيث» الذي تواصل مع انتصار الرفاه الكبير في الانتخابات النيابية في ديسمبر 1995 محتلا المركز الاول، ومشكلا حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة اربكان اول رئيس وزراء اسلامي. اصلاح اقتصادي وعلى مدى خمس سنوات في الحكم اثبت العدالة والتنمية انه اسم على مسمى وانه ظاهرة فريدة في الحياة السياسية التركية باعتباره الحزب الاسلامي الأوحد الذي انفرد بتشكيل حكومة من خلال اغلبية ساحقة في البرلمان وكذلك حصوله على دعم قوي من شرائح واسعة لا تنضوي كلها تحت شعار التيار الاسلامي.. هذا الموقع اجبره على رسم سياسة متوازنة وبراجماتية تعتمد مبدأ «التقية والمواءمة» في تنفيذ برامجه داخليا وبناء علاقات الدولة التركية مع العالم الخارجي وهو ما نجح فيه بصورة كبيرة فداخليا اعلن انه حزب محافظ وسط يلتزم علمانية الدولة واحترام مؤسسها اتاتورك لتجنب الصدام مع الجيش والاحزاب العلمانية ونجح في تعميق الحريات وتعزيز المؤسسات الدستورية والقانونية والأهم من ذلك كله على مستوى الشارع التركي اجراء تحسينات كبيرة في الاقتصاد منتشلا البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وانهيار العمالة الوطنية فادت سياساته الناجحة الى زيادة النمو الاقتصادي وارتفاع معدل الناتج المحلي من 181 مليار دولار عام 2004 الى 400 مليارا عام 2006 وزيادة معدل النمو الى نحو 8% وتراجع التخضم من 29،7% الى 9،65% وزيادة الاستثمارات الاجنبية المباشرة من 14 مليار دولار الى 20،2 مليار دولار (أي 18 ضعفا) ومضاعفة عائدات السياحة من 8،48 مليارات الى 16،85 مليارا خلال الفترة نفسها. وعلى الصعيد الخارجي نجح الحزب في بناء علاقات متوازنة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية على حد سواء ونجح في احراج المفوضية الأوروبية بمبادرته السلمية في قبرص وتلبيته العديد من المطالب الأوروبية على الصعيد الداخلي من اصلاح اقتصادي وسياسي وحقوق الانسان ولا سيما الاكراد. الحكومة والرئاسة هذه النجاحات المتواصلة داخليا وخارجيا في مقابل اخفاقات الاحزاب العلمانية على مدى ثمانية عقود من تداولها للحكم فيما بينها فضلا عن تحمل الحزب لمشاكسات المؤسسة العسكرية والاحزاب المناوئة وعدم اقدام «العدالة والتنمية» على اتخاذ قرارات حاسمة في بعض القضايا الاجتماعية والسياسية التي تتبناها كوادره تلافيا للصدام رغم تمتعه بالغالبية البرلمانية وانفراده بالحكم.. ذلك كله أدى الى تعزيز اسهمه بصورة كبيرة لدى رجل الشارع العادي وتزايدت هذه الأسهم في بورصة الحزب خلال الاسابيع الأخيرة على خلفية ازمة ترشيح اردوغان ثم نائبه عبدالله غول لرئاسة الجمهورية وما اثارته من جدل واثارة في أوساط الجيش والعلمانيين، مما قاد الى اجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة قبل موعدها للاحتكام الى الشعب للخروج من الأزمة السياسية الناشبة وحصد «العدالة والتنمية» ثمار نجاحاته الداخلية والخارجية التي اقتطفها الشعب التركي كله بكافة انتماءاته وأعراقه وهوما يفسر حصوله على نسبة 48% من اصوات الناخبين بزيادة قدرها 14% عن انتخابات 2002 فيما حل الشعب الجمهوري العلماني ثانيا بفارق كبير حيث حصل بالتحالف مع حزب اليسار الديمقراطي على 20% فقط وحزب الحركة القومية ب15% وبذلك يستمر «العدالة والتنمية» في الحكم منفردا بأغلبيته البرلمانية وبهذا يخطو الحزب خطوة واسعة نحو الجمع بين منصب رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.