من تحصيل الحاصل أن نقول إن ثمة أخطاء أو تجاوزات أو انحرافات من عدد محدود جدا من السادة المستشارين قد أساءت لصورة قضائنا الشامخ، ولذلك انطلقت أصوات محترمة من داخل القضاء ومن خارجه تطالب "بالتطهير" أو "التصحيح" واتفقت الآراء في وضع "روشتة" العلاج متمثلة في حتمية تحقيق استقلال القضاء ليبرأ مما تعرض له بسبب تدخل السلطة خلال النظام السابق في أعماله بشكل سافر (بالوعد والوعيد، والإغراء والتهديد) حتي اهتزت أو كادت تتشوه صورته الناصعة مما ظلم الأغلبية من القضاة الشرفاء الذين حملوا عبء الحفاظ على ما تبقى من صورة حصن العدالة. ومع انطلاقة ثورة 25 يناير تصاعدت الأصوات المطالبة بالتطهير وبالاستقلال التام ليكون ذلك من أفضل ثمار ونتائج الثورة النبيلة التي ضحى من أجلها آلاف الشباب فاستشهد منهم من استشهد، وأصيب منهم من أصيب بأخطر الاصابات، والمعروف ان المستشار "أحمد الزند" تصدى من موقعه كرئيس لنادي القضاة لأية انتقادات حادة رفعها المطالبون بالتطهير، حتى انه رفض أساسا كلمة "التطهير"، لكن التطورات لم تسعفه، فقد وقعت سقطة الافراج عن المتهمين الامريكيين والأجانب في قضية "التمويل الأجنبي"، وتابعتهم مصر وهم يغادرون أرضها ويخرجون ألسنتهم لها، ويجرحون كرامتها، وعندما حاول "المستشار محمد شكري وزملاؤه" حماية صورة القضاء بالتنحي عن تلك القضية المريبة مشيرين بأدب و"شياكة" الى ان ثمة ضغوطا تعرضوا لها اتجهت الأنظار الى من يملك السلطة المباشرة لممارسة تلك الضغوط وهو "المستشار عبدالمعز" رئيس محكمة الاستئناف الذي أحاطت به -للأسف- الشبهات، وكان من الطبيعي أن يثور القضاة المنزعجون مما حدث، الرافضون لتلك الاساءة لميزان العدالة، وانطلقت "انتفاضة القضاة" حيث حاول أكثر من 59 قاضيا إقصاء المستشار الشهير وسحب اختصاصاته والتحقيق معه، وعندما تسرب النبأ المنتظر بأن الرجل -تفاديا لقرار الإقصاء- سارع بالتنحي عن مباشرة اختصاصاته بتحديد دوائر المحاكمات، ورحب الكثيرون بهذا الخبر وقال المتفائلون إنها بداية التصحيح لكن المستشار عبدالمعز تراجع عما أعلنه، وأنكر ما قيل عن تنحيه بالرغم من انه سمع بأذنيه أحد أعضاء المحكمة التي رفضت الانصياع لتوجيهاته في تلك القضية، وهو يؤكد ما تعرضوا له من ضغوط لم يستطع المستشار عبدالمعز أن ينكرها، لكنه فجأة تنكر لقراره بالتنحي عن سلطاته إياها، وادعى انه لم يقل ذلك، بل إدعى أن الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة لم يكن لها وجود شرعي، مما أثار دهشة واستياء القضاة الذين تجاوز عددهم المائة وأكدوا صحة جمعيتهم مثلما أكدوا صحة ما سبق أن أعلنه هو نفسه عن تنحيه ثم عاد لينكره، وهكذا أحرج "المستشار عبدالمعز" حصن العدالة مرة أخرى بإخفاء الحقيقة الواضحة للجميع، وكأنه لم يكتف بما تسبب فيه من إحراج لصورة القضاء بتوجيهاته وضغوطه إياها على محكمة التمويل الأجنبي، وأخشى ما أخشاه ان يظهر فيما بعد أن إحراجات أخرى وجهها المستشار الكبير لصورة حصن العدالة الذي انتمي اليه وحقق من خلاله لنفسه الكثير والكثير، خاصة مع ما ذكره عضو مجلس الشعب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوسط "عصام سلطان" عن اتهامه للرجل بأنه أخفى ملف قضية "معركة الجمل"، مما دفع رئيس المجلس الدكتور سعد الكتاتني الى سرعة استدعاء وزير العدل امام البرلمان للافادة عن حقيقة هذا الأمر الخطير!! ومعنى ذلك أن الشكوك قد تمتد الى موقعه في الاشراف على الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات الرئاسية! ولعل أهم ما نخرج به من هذه الحالة المؤسفة هو الاسراع بالتطهير وتحقيق استقلال القضاء الذي نرى جميعا فيه الحصن المنيع الذي نحتمي به ونحمل له كل الإعزاز والتقدير. نقلا عن جريدة الأخبار