لا يقتصر الجنون على الفنون فحسب، ففي السعودية استطاعت مدينة بريدة، العاصمة الإدارية لمنطقة القصيم (شمال شرقي العاصمة)، أن تحول موسم التمور فيها، إلى صرعات من الجنون، بدءاً بالأرقام الفلكية التي يحصل عليها الدلالون، وانتهاء بالمنتجات التي أسفرت عنها الصناعات التحويلية للتمور، والتي وصلت إلى حد إنتاج شطة وصلصة كاتشب. ويعرَف الدلال (مفرد دلالين)، بأنه الشخص الذي يتولى عملية إتمام صفقات الشراء. وفي موسم تمور بريدة 2007، كان للدلالين حضور قوي في المهرجان، الذي سيوصد أبوابه نهاية الشهر الجاري، ليعود ثانية بعد أقل من عام. ويبدأ العمل في سوق بريدة للتمور، منذ الساعة الخامسة فجرا، ليسدل الستار في الثامنة ليلا عن صفقات تقدر بملايين الريالات تتم يوميا على الأرض المخصصة لعرض أنواع التمور. واكتسب سوق بريدة، طابعا دوليا، باعتباره استطاع جذب أنظار الكثير من مواطني الدول العربية والغربية. ووفقا لمحمد الحربي المدير الإعلامي لموسم التمور في بريدة، فإن السوق عرف حضورا مركزا من مواطني ثلاث دول عربية: هي سورية والأردن والإمارات، حيث عد الحربي تلك الدول بوابات للتمور السعودية. وتفكر اللجنة المنظمة لموسم تمور بريدة السنوي، في العام المقبل، أن تطلق حملة دعائية كبيرة في العواصم العربية الثلاث: دمشق وعمَان وأبوظبي، للتعريف بالسوق، واستقطاب أكبر عدد من التجار المهتمين بالتمور من تلك الدول. وتقدر الميزانية المتوقع أن ترصدها اللجنة المنظمة لموسم بريدة السنوي من أجل إطلاق مثل تلك الحملة الدعائية بمبلغ لا يقل عن نصف مليون ريال. ويعتبر سوق بريدة للتمور، قائما منذ زمن بعيد، غير أن المهتمين في مجال التمور من أبناء المدينة السعودية التي يغلب على ساكنيها طابع المحافظة، فكروا في استقطاب الزوار إلى هذا المهرجان. ويحكي المسؤول الإعلامي عن المهرجان ل«الشرق الأوسط» تفاصيل انطلاق هذا السوق، فيقول ان «السوق كان قائما بالأساس، إلا أننا منذ 5 سنوات فكرنا مليا لتسليط الضوء عليه من الناحية الإعلامية، ونجحنا بهذا فعلا». وأضاف: «لم يكن الموسم التنظيمي الأول ناجحا إلى حد كبير. غير أن المواسم التي تلتها حققت نجاحات هائلة». هذا الأمر، أثقل كاهل المنظمين لسوق بريدة للتمور، لتوفير خدمات مساندة في السوق الذي يعد الأكبر على مستوى السعودية، فعملت اللجان التنظيمية على استحداث العديد من الأفكار التي تصب في صالح المتسوقين والتجار وغيرهم. ويستقبل سوق بريدة الدولي، يوميا، أكثر من 400 ألف عبوة تتجاوز مبيعاتها حاجز ال25 مليون ريال. ويقول الحربي «هناك أيام يتجاوز فيها حجم البيع ال30 مليون ريال». ومعلوم، أن في منطقة القصيم أكثر من 3.5 مليون نخلة، تتجاوز مبيعاتها 2.5 مليار ريال. ويشكل ما يرد إلى سوق بريدة الدولي من التمور 40 في المائة من حجم الإنتاج السنوي، فيما يباع قبيل بدء الموسم 60 في المائة من ذلك الإنتاج. ويتنافس على إتمام صفقات شراء التمور في السوق الدولي، شركات التمور، والمصانع، والأفراد. ويدير تلك الصفقات دلالون سعوديون. ويعتبر الدلال ضامنا لبضاعة المزارع الذي يروج لبضاعته خلال إتمام الصفقة. لذلك فهو يحصل على نسبة من قيمة الصفقة تصل إلى 10 في المائة. ووفقا للحربي فان أحد الدلالين، وصل مجموع ما حصل عليه من إتمام صفقات بيع التمور خلال شهر واحد ل2.8 مليون ريال، جراء إتمامه بيع صفقات تجاوزت قيمتها ال28 مليون ريال. ووفرت أمانة منطقة القصيم، 15 خط سير بيع داخل السوق. وقبيل حلول ساعات الصباح الأولى، يبدأ اصحاب الإنتاج من التمور، بإيقاف سياراتهم في الخطوط المخصصة لعرض بضاعاتهم، لدرجة يضطر فيها القائمون على السوق للاستعانة بالجهات الأمنية لتنظيم الحركة داخل السوق. واستعان المنظمون لموسم بريدة السنوي للتمور في العام ما قبل الماضي، ببورصة لتحديد كميات العرض والطلب. غير أن تلك الفكرة لم يكتب لها النجاح. يقول المسؤول الإعلامي للسوق «لا يمكن أن تبدأ في صباح اليوم التالي بيع التمور، انطلاقا من الأسعار التي توقفت عندها بالأمس، فعليك أن تبدأ من جديد. اكتشفنا أن التمور ليست كالأسهم». وقد تم تجهيز سوق بريدة للتمور هذا العام من قبل أمانة منطقة القصيم، بكامل الاستعدادات لتنظيم دخول أكثر من 2000 سيارة يوميا. ويقود نوع السكري، وهو أكثر الأنواع شهرة في القصيم، أسعار التمور داخل سوق بريدة الدولي، ارتفاعا وانخفاضا. حيث يعد من التمور القيادية في السوق. ويصل سعر عبوة السكري، ذات الأربعة كيلوات، إلى 300 ريال، فيما يصل سعر نوع «نبتة علي» إلى 120 ريالا، وتتفاوت الأنواع الأخرى من 140 ريالا نزولا إلى سعر 25 ريالا. ويبلغ سعر نوع الخلاص الذي بات يزرع في منطقة القصيم، 140 ريالا للعبوة الواحدة. وتشتهر محافظة الأحساء (شرق البلاد)، بزراعة هذا النوع من التمور. غير أن ما يزرع في القصيم وفقا للحربي، يعد أفضل إنتاجا من الذي يزرع في الأحساء، نظرا لجودة التربة التي تتميز بها الأراضي الزراعية في القصيم. وعادة تزرع فسائل النخيل في اوقات معينة من السنة، ويتبع المزارعون والمهتمون في زراعة النخيل طرق نقل الفسيلة من النخلة الأم لضمان أن تكون نفس النوعية. وبعد أن ينضج الإنتاج تبدأ عملية خرف التمر، وهي عملية قطف المحصول من النخلة. وألقى ارتفاع أجور العمالة الزراعية في منطقة القصيم، بظلاله على عمليات قطف المنتوج في هذا العام. وبحسب القريبين من هذا المجال، فإن المشكلة بدأت مع تضييق الحصول على التأشيرات للعمالة الزراعية، حتى أن بعض المزارعين قد يضطر إلى بيع محصوله على بعض العمالة الوافدة بسعر منخفض جدا مقارنة فيما لو قام ببيعه بالسوق. ويبدأ سوق بريدة للتمور ضعيفا في بدايته. ويصل ذروته في 10 أغسطس (آب) من كل عام. وتنحصر قوة العرض والطلب في السوق ب40 يوما التي تلي الثلث الأول من شهر أغسطس. ولم يكن الاهتمام بالسوق منصبا على مواطني الدول العربية، فحسب. بل زار السوق خلال الأيام الماضية مجموعات من أميركا، وألمانيا، واليابان، حيث تضم تلك المجموعات، خبراء ومهتمين في مجال التمور. ويقع موسم التمور في مدينة بريدة السعودية في 75 يوما، ابتداء من الثامن من أغسطس (آب)، وحتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول). ويحفل سوق بريدة السنوي، بالكثير من الخدمات المساندة لبيع التمور، كعمليات التغليف والتعبئة والتبريد. وينطلق من سوق بريدة يوميا، عشرات السيارات مشحونة بالكامل بكميات كبيرة من التمور، تتجه إلى كافة مدن البلاد، وبخاصة تبوك ونجران والحدود الشمالية. وإضافة إلى هذا، فقد عملت إدارة السوق على توفير مقار لمكاتب خدمات البريد، لكي تقوم بشحن ونقل التمور بين المدن السعودية. وساهمت مؤسسة البريد السعودي، بنقل 18 ألف طن من التمور، منذ بدء السوق عمله في أغسطس الماضي. واعتمدت المؤسسة الوطنية التي عملت إلى جانب مؤسسات بريدية عالمية في سوق بريدة، مبلغا رمزيا لخدماتها، حيث كانت تنقل كيلو التمر الواحد بريال واحد فقط. ويشكل التمر السكري 80 في المائة من سوق بريدة للتمور، فيما تتوزع ال20 في المائة المتبقية على أنواع التمور الأخرى. وتتربع أنواع الخضري، الصقعي، الشقراء، على قائمة الصادرات السعودية من التمور، حيث تعمل السعودية على تصدير التمور لكل من: استراليا، كندا، أوروبا، روسيا، والمحاولات جارية لدخول السوق الصيني. ويلقى نوع الخضري المزروع في السعودية، رواجا كبيرا لدى الدول الأوروبية، خصوصا بريطانيا، التي عمدت مؤخرا إلى توزيع 4 ملايين وجبة من التمور على الحوامل سنويا. ويدخل الخضري بشكل أساسي بصناعة الحلويات والشوكولاته، وهو عبارة عن مادة تمرية جيدة، ذات لحمية عالية، ولديه قدرة على البقاء لفترة طويلة، كما أن لونه الأسود لا يتأثر من خلال التخزين. وكان نوع الخضري، يباع في السابق ب4 ريالات، للعبوة الواحدة. والآن ارتفع سعر العبوة منه إلى 6 و8 ريالات سعودية. وما كان بالأمس حلما، أصبح اليوم حقيقة، فقد عرضت إحدى الشركات السعودية في موسم بريدة السنوي للتمور، منتجات لصناعات تحويلية من التمرة، أسفرت عن إنتاج شطة وكاتشب من التمر. وبدأ القائمون على موسم بريدة السنوي للتمور، التفكير مبكرا بالشكل الذي سيكون عليه السوق في موسمه المقبل. وسوف تبدأ اجتماعات اللجان المنظمة ابتداء من بعد رمضان الحالي. وفي عام 2010، سيحل موسم التمور في السعودية، بعد شهر رمضان المبارك، وسيعمل هذا الأمر على الهبوط بأسعار التمور، وسوف تكون تلك المواسم، سوقا للشركات، وليست للأفراد. ومن المفارقات التي برزت في سوق بريدة الدولي لهذا العام، ارتفاع سعر كراتين التعبئة، بواقع نصف ريال عن سعره المعتاد، حيث تم الاتفاق مع مصانع الكراتين، أن تصمم كراتين خاصة لموسم التمور المقبل. واعتمدت أمانة منطقة القصيم، أخيرا، مبلغ 60 مليون ريال سعودي، لإقامة مدينة للتمور، ستحتوي على ساحتين عامتين، إحداهما تقليدية للعرض فقط، والأخرى ستكون بمثابة بورصة عالمية للتمور، حيث ستخضع لنظام العرض والطب.