يفترض أن اللجنة المكلفة بإعداد التصور العملي لفكرة الاتحاد الكونفدرالي الخليجي، ستجتمع في الرياض قريباً، ويفترض أن يكون تصورها جاهزاً خلال الشهرين المقبلين لعرضه على قادة مجلس التعاون لدى اجتماعهم في الرياض في مايو المقبل. ومن المتوقع أن يتم تقديم تصور حول تشكيل (هيئة قيادية عليا من قادة الدول الست)، مهمتها اتخاذ القرارات الاستراتيجية السياسية والعسكرية على وجه التحديد، وهذا التصور مهم ومطلب ملح في المرحلة الحالية وفي ظل المتغيرات التي تمر بها المنطقة والتطورات المستقبلية المحتملة التي تستدعي موقفاً واحداً وواضحاً من جانب دول المجلس. هذا طموح قادة وشعوب المنطقة، وهناك طموح آخر لأبناء المنطقة وأبناء دول الخليج وهو أن يأخذ هذا الاتحاد بعداً آخر أكثر عمقاً ورسوخاً يجعل من هذا الاتحاد اتحاداً قوياً حقيقياً. والاتحاد المرتقب ينبغي أن لا يكون مجرد "اتحاد تصريحات ومواقف" وليس مجرد اتحاد مؤسسات لدول الخليج ووجهاتها الرسمية وأعمالها الإدارية بل اتحاد بين شعوبها وأفرادها، لذا فمن المهم ونحن نبني اتحادنا الخليجي المقبل أن نجعل المواطن هو الأساس. فالإنسان هو المكون الثابت والقوي لأي تجربة في هذا الوقت. وإذا كنا نريد أن نبني كياناً جديداً فيمكن أن يقوم على الاقتصاد والمصالح المشتركة. أما إذا أردنا أن نبني كياناً قوياً ومستمراً فيجب أن يقوم على الانتماء وهذا لا يكون إلا على عناصر التاريخ والثقافة والحضارة، فالاقتصاد يصعد ويهبط ويقوى ويضعف، كما أن المصالح تتغير، أما الانتماء فيبقى قوياً دائماً وراسخاً بل يزداد ويقوى مع الأيام. فنرجو من اللجنة التي تعمل على إعداد مشروع الاتحاد الخليجي أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر قبل عرض المشروع على قادة المجلس. وهويتنا في دول الخليج معروفة، فنحن "عرب مسلمون"، لا نحتاج إلى تفاصيل أكثر لتعريف أنفسنا، وبعد هذا يجب أن نتكلم عن "الانتماء" لهذه الأرض وأن نستحضر تاريخنا العريق في هذه المنطقة، ونجعل شعوب العالم وأشقاءنا العرب يكفوا عن الاستمرار في النظر إلينا وكأننا مجرد "برميل نفط" و"خزنة أموال"، فهذه الأرض هي مهد الحضارات وأرض التاريخ، والتي يجب أن نعيد لها مكانتها من جديد، فالاتحاد الخليجي لا يكفي أن يكون مجرد اتحاد عسكري أو أمنى أو سياسي أو اقتصادي، حسب ما تقتضيه متطلبات المرحلة، بل إذا أردنا أن يكون اتحاداً قوياً، فيجب أن نستحضر التاريخ والثقافة ونبرز حضارة هذا الجزء من العالم، ونبني عليها اتحادنا العسكري والأمني والسياسي. من الواضح أن دول الخليج لم تعد ترغب في الاستمرار بلعب الأدوار القديمة بحيث تكون مجرد خزنة مال تمول الحروب، أو صندوق خيري فقط يمول الكوارث أو صندوق عالمي لمكافحة البطالة عندما تعاني دولة من مشكلة البطالة فتهب دول الخليج لتوفر آلاف فرص العمل. الاتحاد الخليجي قد ينقل دول الخليج من مرحلة ردود الأفعال إلى مرحلة الأفعال، فهذه الأرض هي أرض الأفعال والإنجازات والتاريخ الذي للأسف دفن تحت رمال الصحراء، وأصبح لابد من استعادة التاريخ وإنجازات شعوب المنطقة وبعثها من جديد. المتغيرات الدولية والإقليمية والداخلية جميعها تفرض التوجه نحو الاتحاد، ولأول مرة تجتمع هذه المتغيرات في وقت واحد كي تفرض نفسها ويصبح الأمر الواقع دافعاً قوياً لدول الخليج للسير في هذا الخيار. فالمتغيرات الدولية تتجلى في تراجع الدور الأميركي في العالم -رغم أن الولاياتالمتحدة لا تزال تحتفظ بقوتها وتأثيرها- وبالتالي تغير أولوياتها واختلاف علاقتها بحلفائها. والتغيرات الإقليمية تتجلى في الحراك العربي الراهن والذي مر على بعض الدول العربية فغير حكومات وسياسات ونظريات، ومن المتوقع أن يكون التغيير المقبل أكبر وأكثر وضوحاً. أما بالنسبة للمتغيرات الداخلية فمن الواضح أن المزاج السياسي للإنسان الخليجي وحاجاته الاقتصادية وتطلعاته الاجتماعية ونظرته الثقافية... كلها تغيرت، إما بتأثير مما يجري في بعض الدول العربية، أو بفعل الزمن حيث أصبح من المهم أن تواكب دول مجلس التعاون الخليجي هذه المتغيرات الجارية في المنطقة لا أن تتجاهلها أو تقفز عليها. وهذا الأمر يبدو مهماً لاسيما أن هناك من لا يزال يشكك في جدية دول مجلس التعاون الخليجي في تنفيذ فكرة "الاتحاد الخليجي"، ويرونها مجرد بالون اختبار جديد أو مجرد فكرة لإلهاء الناس كما تم إلهاؤهم في العام الماضي بفكرة ضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي، والتي تبخرت بفعل فاعل. والسؤال الآن هو: لماذا لا يتحقق الاتحاد الخليجي؟ وما هي معوقات قيامه؟ المشكلة في اعتقادي أننا ضخمنا الحاضر وألغينا الماضي وتجاهلنا المستقبل، فأصبحت منظومة المجلس تعاني من خلل في تقييم الأمور، لكن على هذه الدول أن لا تنسى أنها ذات تاريخ واحد وأن الحدود التي تفصل بينها ضرورية لتثبيت الحقوق ولتنظيم الأمور الإدارية فقط. أما الحدود الحقيقية بين شعوب هذه المنطقة فغير موجودة... والمواطن الخليجي يشعر بالانتماء إلى الهوية الخليجية، فهذا كيان حقيقي وواقعي ويمكن الحديث عنه والانتماء إليه. تاريخنا واحد وأصلنا واحد وحاضرنا واحد والتحديات التي نواجهها متشابهة، ومستقبلنا واحد أيضاً... فأين المشكلة إذن؟ في دول الخليج، ندرك أن العالم ينظر إلينا ككتلة واحدة، وأنه يتعامل مع دول الخليج بنفس الطريقة ونفس الأدوات والقواعد، لأن العالم يدرك من جانبه أنها دول متشابهة إلى حد التطابق، فيما عدا بعض التفاصيل البسيطة. فلماذا لا نلعب دورنا بشكل واحد وموحد؟ الحقيقة أنه مهما لعبت بعض دول الخليج من أدوار كبيرة، إقليمياً وعالمياً فهي كانت وستظل جزءاً من هذه المنظومة الخليجية التي ننتمي إليها جميعاً... ليس أمام دول الخليج غير خيار الاتحاد والكونفدرالية. نقلا عن صحيفة الاتحاد