بعد نحو 5 أعوام من استغلال قاعدة «جوانتانامو» العسكرية الكوبية المستأجرة منذ عام 1903 كأحد أشهر المعتقلات التي عرفها التاريخ الحديث وأسوأها صيتا، تواجه الولاياتالمتحدةالأمريكية الآن صعوبات بالغة في صرف هذا العفريت، الذي قامت هي بتحضيره بعد أحداث 11 سبتمبر في سياق معركتها ضد الإرهاب. فعلي الرغم من توقعات المراقبين، لاسمياً بعد استقالة وزير الدفاع الأمريكي السابق «مهندس المعتقل» دونالد رامسفيلد، بأن ينتهي عام 2007 بإغلاق هذا الملف المعلق نهائيا وإنهاء معضلة مئات المعتقلين المحتجزين به من جنسيات وعرقيات مختلفة، وبالرغم من إقرار الإدارة الأمريكية بنفسها بضرورة إغلاق جوانتانامو، تظل كيفية التعامل مع معتقليه الحاليين- ما بين محاكمتهم أو إعادتهم إلي بلدانهم أزمة حقيقية. يضاف إليها رفض بعض هذه الدول استرداد معتقليها من جهة، بل ورفض بعض السجناء الترحيل إلي دولهم من جهة أخري، خشية تعرضهم لتعذيب مضاعف، كما هو الحال مع المعتقلين ال12 من أبناء الأقلية الناطقة بالتركية في شرق الصين، وكما هو الحال مع أحمد بلاشا الجزائري، الذي نقلت عنه تقارير طلبه من المحكمة الأمريكية العليا منع إعادته إلي بلده. هنا يتعقد الموقف الأمريكي الذي يجد نفسه مطالبا بتبرير تأخير خطوة إغلاق المعتقل من ناحية، والسعي جدياً لإقناع الدول بقبول استرداد معتقليها - ولكن بشروط صارمة - من ناحية أخري، لاسيما تحت وطأة الضغوط الدولية والإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان، التي لا تتوقف عن مطالبة واشنطن بإغلاق جوانتانامو، وانعكست تلك المشكلة بوضوح في تصريحات الرئيس بوش الأخيرة التي قال فيها «يجب أن يكون لهم «للسجناء» مكان يذهبون إليه»، مستطردا «إنها مشكلة معقدة جداً» لأن «دولا كثيرة لا تريد قتلة لديها». الضغوط الدولية ازدادت أيضا في الآونة الأخيرة علي الولاياتالمتحدة بشأن جوانتانامو بعد محاولات الانتحار المتكررة، وكون أغلب المحتجزين به لم توجه لهم أي اتهامات حتي الآن، حيث تدين منظمات حقوقية لجوء واشنطن إلي أسلوب الاحتجاز لأجل غير مسمي دون وجود اتهامات محددة، كما تستنكر أسلوب تعاطيها مع المضربين عن الطعام من خلال إطعامهم قسرا، معتبرة أن ذلك النهج يمثل انتهاكا لأخلاقيات مهنة الطب، الأمر الذي وضع وزارة الدفاع في مأزق رغم محاولاتها تبرير سياساتها بأنها «درست بدقة سياسة التغذية القسرية ورأت أنها الطريقة المناسبة في الوقت الراهن». هكذا تتحول أزمة جوانتانامو من قضية قانونية إلي سياسية، كلما تفاقمت زادت التوقعات باضطرار الولاياتالمتحدة إلي ضرورة حلها سريعا، وأيا كان توقيت إغلاق المعتقل فمازال الغموض يكتنف مصير المعتقلين الباقين والبالغ عددهم الآن نحو 200 سجين، من المقرر أن ينظر القضاء الأمريكي ملفاتهم الخريف المقبل، وإن استبعد محللون توجيه أي تهم إليهم، مرجحين انتهاء الأمر بإطلاق سراحهم جميعا، سعيا للخروج من تلك الأزمة بصبغة قانونية، وهو ما يبدو احتمالا مطروحًا، إذا ما اقترن بقيام الولاياتالمتحدة بنقل المسؤولين المفترضين ال 14 في تنظيم القاعدة في سبتمبر الماضي إلي سجون وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» بعد إعلان البنتاجون أنهم جميعا «مقاتلين أعداء»، ربما لاستثنائهم من عملية الإفراج المتوقعة.