يفشل الأمريكيون في أفغانستان كما هم يفشلون في العراق. بعد ما يقرب من ست سنوات على غزو أفغانستان يعاني الأمريكيون ومعهم حلف شمال الأطلسي من نفس المأزق الذي هم فيه في العراق، وربما أكبر. من 40 إلى 50 ألف جندي لحلف شمال الأطلسي نصفهم من الأمريكيين لم يتمكنوا من حسم معركة أفغانستان حتى أن الحكومة التي أقاموها في كابل تستصرخ بطالبان النظام الذي يدعي الأمريكان أنهم أسقطوه لتشارك في حكومة حامد كارزاي وزعامة طالبان ترفض..!؟ سياسياً يختلف الأمر عن العراق مما يشير إلى تعقيد الوضع العسكري لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان عن ذلك الذي تواجهه قوات ما يسمى التحالف الدولي بوجود أكثر من 160 ألف جندي في العراق. على الأقل، من الناحية السياسية، لا زالت حكومة المنطقة الخضراء في بغداد تقاطع سياسياً حزب البعث الحاكم سابقاً في العراق وترفض استيعابه في العملية السياسية، في الوقت الذي تستجدي فيه حكومة كارزاي في كابُل طالبان للمشاركة في الحكم. قوة حلف شمال الأطلسي التي كانت مصممة لردع أي اجتياح روسي (سوفيتي) أيام الحرب الباردة، لدول أوربا الغربية تعجز اليو، بالرغم من اتساع عضوية الحلف ليكتسح معظم دول أوربا الشرقية حتى مشارف الحدود الغربية لروسيا الاتحادية عن السيطرة على أفغانستان أو تحتوي مقاومة حركة طالبان...!؟ مثل ما هو الحال، بالنسبة لحكومة المنطقة الخضراء من بغداد في العراق يبدو أن حكومة كارزاي «الديموقراطية» لا يتعدى مجال نفوذها السياسي العاصمة كابُل بل حتى العاصمة كابُل، لم تعد في مأمن من هجمات طالبان ضد القوات الحكومية والأجنبية في البلاد. أول أمس تمكن انتحاري من طالبان من تفجير نفسه في حافلة للجنود الحكوميين في كابُل راح ضحيتها أكثر من ثلاثين جندياً حكومياً بين قتيل وجريح، ليكرر كرزاي عرضه لاستيعاب طالبان في حكومته.. وتكرر طالبان رفضها في المشاركة في الحكم قبل خروج آخر جندي من القوات الأجنبية من البلاد وفي مقدمتهم الجنود الأمريكيون. هذا يقودنا إلى تقييم ما يطلق عليه البيت الأبيض الحرب على الإرهاب التي فرضها على العالم ولم يجعل خياراً لدوله وشعوبه إلا أن ينخرطوا فيها وإلا فإن من يرفض المشاركة في الحرب مع الأمريكيين، يُعد ضمن من تستهدفهم هذه الحرب أضحت من أكثر عوامل عدم استقرار العالم مع بداية الألفية الثالثة. إلى الآن لم يتحقق أي من أهداف تلك الحرب الرئيسية. لقد أخرجت هذه الحرب الإرهاب من القمقم ليصبح العالم بأسره مرتعاً للإرهاب بدءاً من مسرح عمليات الأولية التي افتتحها الأمريكيون في العراق وأفغانستان حيث لم يكن أحد يسمع عن القاعدة قبل الغزو في العراق. لقد طال الإرهاب مجتمعات خارج مسرح عمليات الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان والعراق دولاً عربية وإسلامية وأوروبية، في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة الهندية وأوروبا الغربية وروسيا..!؟ حتى في داخل الولاياتالمتحدة زادت مخاطر التعرض للإرهاب عماَّ كان عليه الحال قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالإضافة إلى فقدان الشعب الأمريكي لمعظم قيم الديموقراطية الليبرالية التي يبشر البيت الأربيض بنشرها في العالم في الوقت الذي يتنكر لها المحافظون الجدد في إدارة الرئيس بوش، لتتحول الولاياتالمتحدة من قلعة لليبرالية، إلى مشارف الحكم الشمولي، بكل تبعاته الفاشية. أيضاً: الحرب الكونية الأمريكية على ما تسميه الإرهاب فشلت في النيل من رموز القاعدة كما فشلت من احتواء خلايا التنظيم المنتشرة في أرجاء العالم التي استفادت من زخم أحداث 11 سبتمبر وكذا الصعوبات التي تواجه ما يسمى الحرب على الإرهاب. من يومٍ لآخر تُظْهِر لنا تكنولوجيا الاتصالات الحديثة رموز القاعدة يكيلون الوعود والتهديد ليس لأمريكا فحسب بل للعالم بأسره بينما تعجز ما تمتلكه الولايات المتحد من أجهزة استخبارات متقدمة من رصد تحركات القاعدة ورمزها بل وحتى تعجز في التعامل مع حركات القاعدة في أضيق حدود مسرح العمليات في العراق وأفغانستان. لا يمكن تفسير عرض رئيس أفغانستان حامد كارزاي بإشراك حركة طالبان في حكومته بعيداً عن الإرادة والرغبة الأمريكية. حركة طالبان تعرف هذه الحقيقة.. وتعرف أكثر أن الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي لن يطول بهم المقام طويلاً في أفغانستان... تجربة الأفغان القريبة مع الوجود الأجنبي في بلادهم سواء الإنجليز في القرن 19 أو السوفيت في القرن العشرين لم يتعظ منها الأمريكيون بينما تمثل لطالبان الذخيرة الاستراتيجية الأكثر فتكاً في ترسانة المقاومة التي يعتمدون عليها في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية من استمرار صراعهم مع الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي على أرض أفغانستان.