بقلم: مفيد فوزى كاتب هذه السطور خدم معك بلغة العسكرية سنوات, وسافر في طائرة الرئاسة عدة مرات, وجلس أمامك محاورا أربع جلسات, ولمس عن قرب بساطتك وعفويتك وأعصابك الفولاذية وصبرك الذي يفوق صبر30 جملا, تصلك بالقطع الشائعات حول صحتك فتستقبلها بصدر باتساع محيط, لا تنفعل, فتركيبة الطيار تحكمك وأمر آخر أجزم أنك تعرفه عبر خبرة السنين من الحكم, وهو أن صالونات الدوشة محدودة وهي أشبه بزحام الأسواق ونداءات الباعة, تركيبة الطيار تحكمك لأنك لو انفعلت وفاض صبرك.. لضاع كل شيء, وقد عشنا زمان الانفعال والانفلات, فكان الجرح الغائر في القلوب والصدور, كنا بصراحة بالغة لا نعرف غير الرجل العسكري في بداية عهدك ثم اكتشفنا بمضي السنين قدرك ومواقفك ولمسنا حكمتك, أدخلتنا قاموسك: البطء في اتخاذ قرار هو تفكير وتدبير, الصمت في حسم أمر من الأمور هو لغة في الأداء, الاعتصامات والاضرابات والمظاهرات هي غضب صحي في التعبير, وربما تغلي مثلنا حول قضية ما وربما تستعجل مثلنا صدور قرار, ولكنك تفكر بمنطق رجل الدولة( اللي الناس متشعلقة في رقبته), فالقرار ليس مجرد ورقة تنفذها الأجهزة, ولكن له أبعاد كثيرة تفوت علي أغلب الناس, بيد أن الغالبية من الناس في المدن البعيدة والقريبة وفي الكفور والنجوع, يعلمون بيقين أن أبوتك تظللهم وأنك تعمل لهم لا لحفنة قادرة, فالذين رأوك في سوهاج أقصي الصعيد لا يتأثرون بمقال محرض أو فضائية حاقدة أو برأي متطاول علي مقامك.. وأنا من جيل يحترم الكبير ويوقره ويحافظ علي هيبته, فإذا جاء( أشبال الصحافة) وتطاولوا ولم يوقروا, فهم صغار فهموا أن الديمقراطية التي سعيت أنت لتفتح أبوابها بعد المنابر والأحزاب, هي( حرية الهبش) فيك وفي أسرتك الفاضلة, دعني أقول كما قال الانجيل طوبي لهم, فلا تؤاخذهم, لقد أصيبوا بحالة سعار بعد تكميم الأفواه في زمن مضي عليه شهود في الحاضر, في ذلك الزمن الغابر, كان من يفكر في الهبش, مصيره المعتقلات أو النقل لشركة باتا أو مؤسسة الدواجن, نحن نتذكر ذلك جيدا, فمازال بيننا وبين الزهايمر خطوات ولا يعرف أشبال الصحافة تلك الحقبة ومدي ايلامها.. وكاتب هذه السطور ذاق طعم الفصل يوم كتب بعفة واحترام عن سلبية وكانت موثقة, نحن شعب يهوي(الفرجة) ونحب تغيير الوجوه ثم يبكي عليها ويتحسر علي أيامها. نحن شعوب نامية لدينا درامية الرؤية والأحداث. زاد الهبش وفاق الحدود وسار الاكتئاب حزينا في الطرقات.. لماذا؟ فقد استبيحت القامات والهامات ولكن دورك وقدرك محفوظ, وسمعناك تقول( الأولوية للصعيد) ودعوت حكومة مصر للاتجاه جنوبا للصعيد الذي ظل مهمشا لسنين طويلة, ووافقت علي الطرق الحرة, أساس بل عماد أي استثمار, لم يكتب أحد سطرا واحدا يسهم به في صحوة الصعيد, وأعرف بحكم سنوات المهنة ما يقولونه: صعيد إيه وبحري إيه, ده مايوزعش, وربما يحكم هذا التفكير بعضا من الصحف القومية التي تحتاج الي ضبط الايقاع فلا نشاز يصدر منها, وللأمانة والشجاعة أن نذكر أن( أداء) المسئول في مصر وزيرا أو محافظا أو رئيسا لمرفق أو مؤسسة يحتاج لضبط الايقاع, وملاحظتي تنصب علي معاملة المسئول للناس الشقيانة بينما يتقدم الطابور الناس القادرة والواصلة, هؤلاء الشقيانين أنت وحدك ظهرهم وسندهم في الحياة, وقد لا تصلك عبر التقارير المرفوعة لك الصورة بالمقاس الطبيعي للواسطة في غياب معايير محددة, قد لا يصلك الغيظ والقهر والشعور بالظلم الذي سألتك في أحد حواراتنا عن طعمه فقلت: مر, فالناس الذين يحملون أحكاما قضائية لصالحهم, قد يموتون قبل تنفيذ هذه الأحكام ويرث الأحفاد نفس الهم, وأصحاب البيوت القديمة يتوقون لعدل بعد ظلم طويل, فهم( أصحاب عمارات) ولكنهم يقبضون مالا يزيد علي مائة(!) جنيه, وللمتربصين أقول ليس لي بيت قديم ولا حكم قضائي أسعي لتنفيذه, لكني أتكلم عن أصوات خفيضة تتوه وسط الصراخ, أنت أعلم مني ألف مرة بارتباط الناس بمصالحها, فهو ينتمي لوطن يحترمه ولا يدوسه كحشرة ووطنيته بقدر مصالحه الصغيرة ومصالح أسرته وأولاده والحق في العلاج والمدرسة للعيال وحماية المستهلك من حريق الأسعار, ولا ننكر جشع بعض التجار الذين يلهبون ظهور الشقيانين, بكرباج ثمن السلع وصارت الدولة تقدم( المدعوم) للقادر وليمت المحتاج لأنه ضعيف. مظاهرات العطاشي لا تزعجك لأنها مفتعلة ومصنوعة ومحاكة ومنسوجة وأنت تعلم من وراءها, شائعات غيابك مفتعلة ومصنوعة ومدبجة بإحكام, وأنت تعلم من وراءها, الهجمة الشرسة علي الأمن ونشر سيناريوهات التعذيب لا تزعجك لأنك تعلم أهدافها واغراضها بعد أن أصبح( المحظور) كالفأر في المصيدة, اللعب علي أوتار الخلافات في الرأي بين القضاة ووزير العدل, لا يزعجك, فأنت تعرف بفطنتك وممارسة الحكم هدفه البعيد وهو ضرب قامة هيبة قضاء مصر, ولكن هل تعلم الأغلبية الكاسحة هذه الأبعاد؟ نعم, فالمصري بحسه التاريخي وبساطته وعلاقته بالخالق, يفطن الي ما يجري ويحدث ويدرك بالوعي البصير من صاحب( المصلحة) في تشويه مصر المحروسة, وهؤلاء الملايين يلتفون أكثر حول( الأب اللي ما يحبش الأذية وقطع الأرزاق), الأحاديث الهامسة بين الناس تصلني بحكم عملي: يهمسون بأن رجال الأعمال صاروا( قوة) يعمل لها حساب, يهمسون بأن غير الأكفاء في مواقع تتطلب الأكفاء, يهمسون بأن مقار الحزب الحاكم الذي ترأسه بطول الوادي مهجورة ولو كانت مسكونة لتصدت لشائعات هزت الرأي العام. ما الدافع لكتابة هذه السطور؟ لا مأرب لي ولا مصلحة قريبة أو بعيدة, ففي عصرك عرفت النوم بعمق, وفي عصرك عرفت سماحتك, وكل فتنة هي سيناريو محبوك هدفه( لبنان أخري وحرب أهلية), ولن نكون لبنان آخري لأنك صمام أمان بحق هذه الأيام المفترجة, لنقف خلف هذا القائد, الطيار الذي تهمه السلامة لناسه في كل( طلعة), فالبديل( المفتري علينا) مخيف, بحق هذه الأيام المفترجة تدبر بحكمتك التي أشاد بها العالم, مستقبل هذا البلد فلا تكون نهبا للصراعات, قربنا من ذهنك وما تفكر فيه, صارحنا بالصورة لتخرس الخفافيش, سلمت مصر قبلك من أي سوء, وسلمت لنا رجلا( قلبه في مكانه الصحيح) يحمل حفيده أمامنا في مباراة كرة بين ذراعيه ويسافر الي الصعيد في درجة حرارة45 وينادي بالسلام, ولا يعرف أبهة منصب, فهو( المعتقل) بإرادته.