يبدو أن دولة عربية جديدة تدخل الآن بقوة ضمن حزام الأمن الدولي- القديم الجديد- والذي يجري بناؤه في أعقاب خطط الانسحاب من العراق أو تخفيف الوجود العسكري في أفغانستان. وطبيعي ألا نتصور أن تلك الانسحابات كانت تعني التخلي عن قواعد تأسيس الأمن الدولي العسكري بقيادة أميركية وأوروبية تعرف طريقها جيداً. لكن ذلك لم يمنع من تقصيرنا أحياناً في تصور قواعد العولمة العسكرية، وتشابك التحركات الإقليمية في ظلها، رغم تأثيرات بعض العناصر المحلية، التي تمثلها هذه الدولة أو تلك من أصحاب المصالح أو الرؤى الوطنية. في هذا الإطار تصورنا بالطبع قوة العنصر الآسيوي، وظلت المقارنة حول مدى الموقف الأفريقي أو الموقف العربي، وذلك خلال تحديد كل من الكتلتين لموقعهما في هذه الخطط العالمية... ويبدو لي أن الاختيار الليبي بعد العراقي، قد أفاد بكثير من الرسائل بشأن ضعف الموقف العربي، أمام الآسيويين ثم الأفريقيين. إذ ما زالت الاتهامات الأفريقية للجامعة العربية بالنسبة لليبيا قائمة على التخاذل أو التسليم لحلف الأطلنطي... الخ، كما سبقت المقارنة في العراق بمواقف آسيوية كثيرة. الجديد الآن هو بروز "المشكلة الصومالية" على خريطة الأمن الدولي بعد تصفية الموقف في ليبيا، وزحفها التدريجي على الخريطة الأمنية، بل والأدوار الأمنية في أفريقيا وآسيا على السواء، لأن الصومال إحدى الدول المشاركة في خريطة شرقي أفريقيا والقرن الأفريقي من جهة وإحدى دول المحيط الهندي وجنوب الخليج من جهة أخرى. لسنا في حاجة للحديث عن عناصر تقليدية في "المسألة الصومالية"، فقد أصبحت سيطرة تنظيمات شبابية مسلحة على جزء من عاصمة تقع في حدودها حكومة مسلحة، أمراً معروفاً، كما بات معروفاً دور " القرصنة الصومالية" في المحيط الهندي إلى حد "تهديد" حركة البحرية الدولية إلى حدود الهند..! وارتبط بذلك أدوار لإثيوبيا. في الداخل وأساطيل دولية في الخارج طوال الأعوام الأخيرة، وكأنها أحد عروض أفلام الإثارة! لكن ما نشهده من تحركات على شواطئ الهندي من أكثر من زاوية تشير إلى خطوات أحدث وأقوى في بناء خريطة الأمن الدولي التي نحاول التعرف على بعض عناصرها. ولا يبدو أن ذلك أمراً صعباً، بعد إعلان الخطط النهائية تجاه العراق وأفغانستان. وبعد تواصل الجهد الأقرب للنجاح في الشمال الأفريقي وغرب أفريقيا لصالح استقرار خطط القيادة الأميركية لأفريقيا (الأفريكوم). ومن هنا يمكننا فهم الخطط الخاصة بشرق أفريقيا والمحيط الهندي، والتي نتعرف عليها من بعض الأنباء الأخيرة الواردة من هذه المنطقة. ففي تتابع ملفت تأتي أخبار من الهند عن اجتماع "رابطة دول المحيط الهندي للتعاون الإقليمي" في تنشيط جديد منذ قيامها منتصف التسعينيات والتي تضم ثمانية عشر دولة بمبادرة هندية ثم أسترالية، وأفريقية وتضم دولاً عربية خليجية (الإمارات – اليمن- عُمان كما تضم إيران عضواً، ومصر (من شركاء الجوار" مثل الصين وفرنسا... والأخيرة لأنها "تمتلك" جزر اليونيون في المحيط الهندي...! ومرة أخرى دون الدخول في التفاصيل يلفتنا تركيز قرارها- بعد قضايا التعاون والتنمية- على قضية الأمن البحري، واعتبار القرصنة (الصومالية بالأساس) "تحدياً كبيراً يؤثر على التجارة في المحيط، مما يتطلب "التعاون الإقليمي للمواجهة" وكذلك "بناء علاقة وظيفية بين أسلحة البحرية في هذه المنطقة". ولأن الهند صاحبة يد قوية في هذا التنظيم فإنه يمكننا أن نتوقع مع هذا الموقف الذي "يبدي القلق" من ظاهرة القرصنة، أن تكون الهند عنصراً إيجابياً في ضمان "سياسة إقليمية" أقل "عولمة" في بناء حزام الأمن الدولي الذي سيمتد من حدود الهند إلى حدود الشرق والقرن الأفريقيين. لكننا لا نستطيع أن نفصل ذلك عن إعلانات أخرى لمواقف قد تخدم بصورة مختلفة في دعم هذا الحزام. فها هم رؤساء مجموعة دول، أو قل "جماعة شرقي أفريقيا" يجمعون في بوجومبورا (بوروندي) أواخر نوفمبر 2011 لمناقشة تطورات خاصة كثيرة، منها إمكانية إعلان "اتحاد دول شرقي أفريقيا"، بل وقضايا المياه في بحيرة فيكتوريا وبحيرة تنجانيفا، في رسائل موجهة لبلاد مثل مصر والسودان... الخ. لكن أخطر ما يلفت النظر هو القرار الخاص بدعم "اتفاق كمبالا" "ومبادرتها للسلام في الصومال، والتي تعتمد في تنفيذها على انخراط الاتحاد الأفريقي- الاتحاد الأوروبي- جامعة الدول العربية- منظمة الإيجاد- مفوضية المحيط الهندي- مندوبية الأممالمتحدة للصومال- جماعة شرق أفريقيا". وقبل هذا الاجتماع بعدة أيام يصل وزير دفاع كينيا "حاجي يوسف" إلى لندن طالباً "مزيداً من الحضور للجماعة الدولية في الصومال "حسب تصريحات صحفية له. كما يؤكد طلب مزيد من تدخل قوات السلام الأفريقية في الصومال، ويرتبط ذلك بالطبع "بمساعدة كينيا التي تحارب الإرهاب"، وتجديد تدخل إثيوبيا. ويتفق هذا، بالضرورة مع عقد الاجتماع في "بوجومبورا" صاحبة القوات المشاركة في أمن الصومال مع أوغندا صاحبة المبادرة الجديدة، كما يتفق مع فترة زحف الطيران الكيني وقوات كينيا إلى حدود الصومال لملاحقة "قوات حركة الشباب" "الأصولية" ممن أصبحوا يجندون الصوماليين من شمال كينيا لحركة التطرف والإرهاب" في رأي الوزير الكيني . ولا تخفي وسائل الإعلام إشارات الوزير الكيني الذي يكاد يتحدث عن أهمية الوصول إلى ميناء "كسيمايو" جنوب الصومال حيث تسيطر عليه منظمة "الشباب" المتطرفة. معنى ذلك أن الموقف الأفريقي هذه المرة هو الذي سيستدعي قوات الأمن الدولية إلى الصومال. لكن ما يلفت النظر أن خريطة "التحرك الدولي" هذا تبدو قلقة- مرة أخرى- من موقف الاتحاد الأفريقي الذي لم يريحها كثيراً تجاه ليبيا، فراحت الخطة تتجه إلى مجموعة إقليمية فرعية مثل جماعة شرق أفريقيا للتأثير غير المباشر على التنظيم الإقليمي للاتحاد الأفريقي. وقد يبدو قلقها هذا مفهوماً في ضوء مسارعة مبعوث هذا الاتحاد للصومال وهو رئيس سابق لغانا (جيرى رولنجز) لإصدار تصريح بارز عقب التصريح الكيني يطلب ضرورة التفاوض مع تنظيمات "الشباب" في الصومال... وهو قريب من سياسة "الحل التفاوضي" الذي كان يطرحها الاتحاد الأفريقي في ليبيا قبل أن يتدهور الموقف مع تدخل "الناتو"... من الملفت أن يقرر اجتماع "بوجرمبورا" لرؤساء شرق أفريقيا رفض طلب السودان دخول هذه الجماعة، رغم أنها عضو بمنظمة "الايجاد" وأن اتفاق نيفاشا لفصل جنوب السودان كان ضمن دبلوماسية منظمة الايجاد نفسها... وقد جاء في اعتبارات هذا القرار، أن السودان" أصبحت "بعيدة" عن حدود الجماعة الشرق أفريقية، مع أنها ستصير قريبة بالتأكيد مع إجراءات ضم "جنوب السودان" إلى الشرق الأفريقي! هذه رسائل متعددة في قضايا الأمن لدول الخليج ومصر والسودان على السواء، وفق طريقة قراءة هذه الرسائل، بدءاً من فهم خطط "الأمن الدولي" ووصولًا لفهم خطط الأمن الإقليمي. نقلا عن صحيفة الاتحاد