نقلا عن الجمهورية 24/04/07 يعترف كثيرون انهم لا يعرفون علي وجه التحديد تفاصيل المادة 179 التي جاءت في التعديلات الدستورية الأخيرة وأعترف بدوري اني لا أعرف جيداً ما قد يحمله قانون مكافحة الإرهاب بالنسبة لي كمواطن أو كصحفي ونسمع كلاماً كثيراً من منظري الحكومة وكلاماً آخر من حكماء المعارضة.. وزادني قلقاً كلام تردد من أن من ينقل أخباراً عن الإرهاب والإرهابيين يقع تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب.. والكلام هنا يعني الصحفيين بوجه خاص.. وهو أمر يصعب تصديقه. ويخفف من هذا القلق ما قاله الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في محاضرة له بجامعة القاهرة قبل أيام قليلة.. إذ قال "ليس من المتصور أن يصدر قانون يعاقب الصحفيين الذين ينشرون أخبار الإرهاب". وصدرت في الآونة الأخيرة تصريحات واضحة لكبار المسئولين يحذرون فيها من تحركات متوقعة من جانب المتطرفين الذين يختبئون في خلايا نائمة سبق أن رئيس الجمهورية حذر من مخططات لاثارة الفتنة بين المسلمين والأقباط ولابد أن نأخذ هذه التصريحات بكل جدية فهي ليست كما قال البعض انها بهدف تبرير المادة 179 لأن مثل هذه القضايا الدقيقة والحساسة لا تقبل وجهين من الحديث. والكلام عن قيود علي الصحفيين فيما يكتبونه عن الإرهاب مردود عليه بأن لدي كل الوطنيين قناعة راسخة بأن الإرهاب قضية تهم كل المصريين.. تهم كل الشعب بمختلف طوائفه وطبقاته ومستوياته الفكرية والمادية وقضية توعية الجماهير بمخاطر الإرهاب هي حجر الزاوية في مواجهة الإرهاب والتطرف مهما اختلف نوعه وشكله.. وهذه التوعية لا تكون بالشعارات والمقالات الخطابية وصرخة "احذروا الإرهاب وحدها" لا تحقق نتائج فعلية.. إنما الأسلوب المؤثر هو أن يعرف الناس ماذا في رءوس الإرهابيين والمتطرفين كيف يفكرون وما الذي يخططون له وماذا نتوقع منهم. ومع تقديرنا العظيم لرجال الشرطة الذين ضحوا بحياتهم في معركة المواجهة الباسلة ضد الإرهابيين.. ومع اعترافنا بأن لهم دورا حيوياً في المواجهة المفروضة علي المصريين اليوم وغداً.. لابد أن نعترف أيضاً أن المواجهة الأمنية وحدها تحتاج إلي دعم جماهيري قوي. ومن هنا يصبح وعي الجماهير بالخطر الإرهابي وأهدافه وفكره وأساليبه الظاهرة والباطنة هو عامل بالغ الأهمية في محاصرة تحركاتهم وتضييق الخناق عليهم وإفساد محاولاتهم لتوسيع قاعدتهم. ومتي عرفنا أن الإرهاب خطر يهدد الأمة كلها فلابد من أن يشترك في مواجهته الحكومة والمواطنون. ولكي نحمي الطرف الأمني من نيران الثأر الأعمي التي تتولد لدي الإرهابيين والتي يبررها الإرهابيون بتعرضهم لتجاوزات معينة.. وأحياناً تصبح الرغبة في الانتقام أشد عنفاً من الفكر الذي يحركهم. وحين يقوي وعي المواطنين بخطر الإرهاب فهذا يدفع بالإرهابيين إلي آخر خنادقهم ويشعرون بعجزهم عن مواجهة مجمل الأمة.. ويرون أنفسهم قلة ضائعة وسط موجة عاتية معادية للإرهاب والتطرف ويتواري من يحاولون تغطيتهم سواء سراً أو علناً. ومن ملامح الخطر الجديد أن الفكر المتطرف ظهر مجدداً بين شباب صغيري السن كما تشير أعمار بعض المقبوض عليهم مؤخراً في محاولة لإحياء تنظيم التكفير والهجرة. وهذا يؤكد ان مواجهة التطرف والإرهاب لابد وأن تبدأ بصفوف الشباب لأنهم دائماً المنابع الأسهل لتجنيد أعضاء مثل هذه التنظيمات خاصة وان البطالة تصيب الشباب قبل غيرهم.. والبطالة تتسبب في مشاكل أخري كبيرة تخلق لدي الشباب ما هو أكثر من الضيق والقلق.. تخلق كراهية نحو المجتمع بكل من فيه وما عليه والكراهية والحقد هما الخيط الذي يشدون منه الشباب المقهور اجتماعياً واقتصادياً إلي دائرة التطرف. ولا شك أن الكلام عن الأسباب التي تدفع إلي التطرف سبق طرقه وتداوله مراراً قبل سنوات.. وبالرغم من أنه أغضب بعض المسئولين في حينه إلا أنه لا يزال يلعب دوره في مجتمعنا.. والخوف أن يكره سماعه بعض المسئولين حالياً.. لأن تجاهل أسباب التطرف النابعة من ظروف حياتنا يضر كثيراً.. بل يشجع دون أن يدري علي توسيع قاعدته. ولابد أن نعترف أنه ليس من المستطاع وضع حلول نهائية للأسباب التي يستغلها البعض للترويج لكراهية المجتمع والتحرك ضده بالعنف والإرهاب. لأنها مشاكل معقدة ومزمنة تراكمت فوق بعضها.. بل ان القليل من التأمل فيها يصيب أكثر الناس اعتدالاً بكثير من الاستفزاز واليأس. وإذا كانت الحكومة لا تستطيع أن تضع الحلول الكاملة لمشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية فهي مطالبة بأن تضع علي الأقل بعض أنصاف الحلول لتعطي بعضاً من أمل في امكانية حماية الشباب من الانزلاق العضوي إلي معسكر التطرف. فماذا يجب أن نفعل؟ هذه تصورات قد تكون ساذجة وقد يتفكه بها بعض حكماء الحكم الذين يعرفون أحوال الدنيا والناس أكثر مما نعرف. وحيث ان مصر بلدنا جميعاً فلا بأس أن نتصور ونتكلم ونصرخ سواء ضحك منا الحكماء أو غضبوا لأن الخطر كامن وينتظر اللحظة المناسبة التي يفجر فيها نفسه في وجوهنا وأجسادنا وثقافتنا ومدارسنا وجامعاتنا بل وداخل بيوتنا. نقول إن البداية يجب أن تكون بتحصين الشباب وبأن نقيم مصالحة بينه وبين المجتمع وبمعني آخر إشراك الشباب في نشاط جماعي واسع يبني صداقة قوية بينه وبين أهل بلده.. وهذه الصداقة تصبح قادرة علي مسح أية شوارد عنف في عقولهم. وبناء هذه الصداقة بين الشباب والمجتمع هي إشراكهم بصورة فعالة وايجابية في مختلف نواحي الخدمة العامة. ويجب أن ننسي تماماً حكاية العمل التطوعي بين شباب قد لا يجد أفكاره دائماً. ويبدو أن علينا أيضاً أن ننسي حكاية دور رجال الأعمال في إتاحة الفرص أمام الشباب.. لأن الرأسمالية المصرية التي لم تمر بمرحلة الرأسمالية الوطنية وظهر بعضها بل الكثير منها في أجواء التهريب والتهرب وغسيل الأموال واستيراد التهليب وتجارة المغشوش والفاسد والاحتيال علي البنوك.. أمثال هؤلاء لن تكون لديهم أية نوازع وطنية لمساعدة شبابنا بل أسهموا بصور مختلفة في زيادة أعداد المتعطلين عن العمل. بل ان بعض رجال الأعمال رفعوا شعارات دينية في نشاطهم الاقتصادي في الأيام السود التي نشط فيها الإرهاب.. فعلوا ذلك ليس حباً في نصرة الدين ولكن لكسب مودة المتطرفين وارتدوا مثلهم وتحدثوا بلهجتهم حماية لمصالحهم الخاصة وبالفعل حققوا ثروات هائلة ولا يزال بعضهم أوفياء لنعم التطرف عليهم! ويلح علي الشباب سؤال مهم.. كيف نطمئن ان المادة 179 من التعديلات الدستورية لا تحمل لنا خوفاً أو قلقاً أو شكا في بعضها البعض؟ والشباب معه حق في أن يتساءل لأن الصحف تكتب آراء كثيرة.. وليس الحل أن نطالب الصحف والكتاب بالتوقف عن مناقشة هذه المادة إنما أن نتخذ إجراءات عملية وقانونية وتشريعية تعلي من شأن حقوق الانسان وتأتي بالخوف للإرهابيين وتحقق الطمأنينة لكل المواطنين الرافضين للتطرف والعنف.. وهو ما يمكن ترجمته بتوفير ساحة أوسع من الديمقراطية الحقيقية. يجب أن نخلق روح التفاؤل بين شبابنا.. وذلك من خلال نشر ثقافة وطنية سهلة وزهيدة في أسعارها.. ثقافة تواجه بموضوعية وقوة كتابات الانغلاق الفكري والرافضة للمعرفة الصحيحة والتي تعتمد علي استبداد الجهل. وأن نمنع بقوة القانون هواة تكفير الأدباء والمبدعين والفنانين الذين يرتبطون ارتباطاً أمنياً بهجوم الوطن وحقوق الناس. وأن نتعلم من آبائنا وأجدادنا لماذا أطلقوا علي الإبداع الانساني اسم الفنون الجميلة.. وللأسف فإن ما يحدث اليوم هو إننا لا نضيف لتاريخنا الانساني المضئ بل نتراجع به إلي الوراء لنسكن بدونه في كهوف مظلمة. يتعين علي اتحادات ونقابات الممثلين والموسيقيين والسينمائيين أن نقف بقوة في وجه الأعمال الفنية الهابطة والتي تهزأ بعقل المواطن والتي تتناول قضايا سطحية يتسلي بها فقط المتسكعون علي هامش حياتنا فطالما استخدم المتطرفون مثل هذه الأعمال للهجوم علي الفنون في عمومها والدعوة إلي تحريمها ليزداد الظلام من حولنا. علينا أن نعيد للمواطن المصري ما تمتعت به دائماً من روح المرح.. لقد غطي الصدأ وجوه كثيرين منا شباباً وشيوخاً.. وعندما تدخل التعاسة إلي القلب فإنها تفتح أبوابه لتخزين الحقد والكراهية وهما الدافع القوي للعنف. وقد يحرجنا بعض الشباب بسؤال مشروع وهو: هل يستطيع العاطل عن العمل أن يكون مرحاً؟ هل يمكن أن يتلازم سوء رغيف الخبز مع شهية الإقبال علي الحياة؟ هل من السهل أن يتقبل المواطن الفساد وراحة البال جنباً إلي جنب. الأسئلة مشروعة.. والاجابة الصحيحة والشجاعة عنها هي بداية طريق جاد لمواجهة الإرهاب والتطرف.