حكمان لم يفرق بينهما سوى أربعة أيام، الأول صدر صباح العاشر من نوفمبر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة ليمنع أعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والثاني جاء في الرابع عشر من نوفمبر من المحكمة الإدارية العليا ليقبل الطعن المقدم من المحامي عمر هريدي في الحكم الأول ويوقف تنفيذه، فكان لكل منهما تبعات وترتب على كليهما نتائج، وقيل في كليهما كلام؛ فماذا قال رجال القضاء والقانون تعقيبا على هذه الأحكام؟ وماذا كان رد فعل أعضاء الحزب الوطني المنحل أيضا عليها؟ الدكتور رابح ركيب الأستاذ بكلية الحقوق ونائب رئيس جامعة بني سويف يؤكد في البداية، أنه لا تعليق أو تعقيب على أحكام القضاء، ولكنه يستدرك قائلا أن الأحكام يجب أن تكون متوافقة مع القوانين والدستور، والحكم الأول لمحكمة القضاء الإداري بالمنصورة القاضي بمنع أعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح في الانتخابات القادمة، من وجهة النظر القانونية، يتعارض مع الدستور الذي أعطى للمواطن حقوقا دستورية ؛ من أهمها وأبسطها، حقه في الترشح والانتخاب، حيث أن الحرمان من هذه الحقوق لابد أن يكون قائما على حكم أو قانون ، وليس على أمر اعتباري، كما أن هذا الحكم نسبي ولا يتصرف إلا لصالح من صدر له الحكم، ولا ينسحب أو يجوز تطبيقه في باقي محافظات مصر. وأضاف دكتور رابح، أن الأمر بالنسبة للمحكمة الإدارية العليا، مختلف لما تتمتع به لكونها أعلى سلطة قانونية إدارية ذات إجراءات قانونية عالية المستوى وتضم جهابذة القانون، كما أن أحكامها عامة تنسحب على كل مصر بمختلف محافظاتها وإداراتها الانتخابية، لهذا جاء حكمها بقبول الطعن على الحكم السابق ووقف العمل به وتنفيذه، ملزما للجميع. فيما امتنع المستشار السابق محمد الدكروري، أمين لجنة القيم والشئون القانونية بمحلس الشعب السابق والحزب الوطني المنحل، عن التعليق على حكم القضاء الإداري بالمنصورة الأول، وكذلك حكم الإدارية العليا الأخير، مؤكدا أن المحكمة الإدارية العليا هي أعلى جهة قضاء إداري ولها رؤية قانونية صائبة، مرجعيتها للقانون والدستور، وليس لإتجاه سياسي أو رأي خاص أو مصالح شخصية، ولا تبني حكمها على إستنتاجات أو توقعات وإنما على الحقائق القانونية والدستورية. وشاركه في ذات الرؤية ووجهة النظر، المستشار الطنطاوي محمد الطنطاوي، نائب رئيس مجلس الدولة السابق، الذي أكد رفضه للتعليق على أحكام القضاء من قريب أو بعيد، مستنكرا تصرف البعض من رجال القضاء في بعض البرامج التليفزيونية عندما يتنافسون في التعليق وإبداء الرأي في أحكام قضائية صادرة، مؤكدا أن كلا الحكمين الصادرين سواء من القضاء الإداري بالمنصورة، أو من الإدارية العليا ، كلاهما له سنده وأساسه القانوني وحيثياته التي أقام عليها حكمه، ولا ينبغي أبدا الخوض في ذلك، لأن أحكام القضاء لها هيبتها وقدسيتها واحترامها. ومن جانبها، قالت الدكتورة جورجيت صبحي قليني أستاذة القانون والمحامية وعضو مجلس الشعب السابق، أن حكم الإدارية العليا كان متوقعا، حيث لم يكن عندي شك في صدور هذا الحكم وثقتي في المحكمة الإدارية العليا. وتضيف جورجيت أن الذي أحزنها هو تهديد الرأي العام للقضاء وتأثيره عليه وعلى أحكامه، لأن القاضي في النهاية هو إنسان يمكن التأثير عليه بشكل أو بآخر، مؤكدة أن الحكم الأول الذي صدر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة لم يستند إلى قاعدة قانونية أو حكم قانوني، وهذا ما نسميه بأنه أصابه فساد في الاستدلال، لأنه استند على حكم حل الحزب الوطني، الذي هو موجه لشخص معنوي إعتباري، وليس شخص بعينه، لذا جاء حكم الإدارية العليا باتا مسلما به ولا يقبل الطعن عليه. ويشاركها الترحيب بحكم الإدارية العليا، اللواء طيار سمير موسى، عضو مجلس الشعب الأسبق، وأحد رموز الحزب الوطني المنحل بدمياط، الذي أكد أنه بالرغم من أنه اتخذ القرار بعدم خوض الانتخابات المقبلة منذ فترة ، إلا أنه أكد أن حكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة كان فيه ظلم كبير، حيث أنه ليس من المعقول عزل ما يقرب من 3 مليون مواطن لمجرد أنهم كانوا أعضاءً في الحزب المنحل ووضعهم جميعا تحت عنوان "الفلول" ، لأنه إذا كان من هؤلاء من هو سيئ، فهناك أيضا منهم أناس محترمون قدموا لهذا البلد الكثير، ولهم رصيد من العلاقات الطيبة والخدمات لدى المواطنين كلا في مكانه، وإذا ما نزلوا الانتخابات سيكون النجاح حليفهم، ولن يكون ذلك بالبلطجة أو التزوير أو النفوذ، وإنما برصيد الحب والخدمات الذي يدين به الناس لهم. كما استنكر موسى حكم القضاء الإداري بالمنصورة، واصفا إياه بأنه مثير للبلبلة ويضر باستقرار الوطن، في الوقت الذي لا تتحمل فيه البلد مثل هذه الأمور، ويقول مخاطبا من يهاجمون أعضاء الوطني السابقين:" لماذا لا تتركون الأمر للناس لاختيار من يرونهم صالحين ويعملون لخدمتهم وتخليص مصالحهم، فلو أنكم واثقون من أنفسكم لما خشيتم أحداً". أما الدكتور محمد عبد اللاه، رئيس جامعة الإسكندرية السابق، والأمين المساعد للحزب الوطني "المنحل"، فيؤكد أنه في ظل دولة سيادة القانون، فعلى الجميع إحترام أحكام القضاء والخضوع لسلطان القانون، سواء كانت هذه الأحكام مع البعض أو ضد آخرين، وعلى المرشحين – ما دامت الانتخابات نزيهة- أن يتركوا الأمر لحكم الشارع واختيار الناس، وهذا أكبر تطبيق للديمقراطية، ولا يجب أن يخشى أحد من التيارات الكثيرة الموجودة بالساحة، لأن هذا أمر إيجابي، وإفراز طبيعي لمناخ الفوران الموجود في الشارع المصري الآن، ولكني آمل في زيادة نسبة المشاركة من الناس، لأنه كلما زاد عدد المشاركين في العملية الانتخابية ، كلما كان هناك تفعيل أكثر للديمقراطية، وكلما قضى ذلك على سماسرة الانتخابات وأي متحكمين في العملية الانتخابية.