إلى هذه الساعة، الدولة الفلسطينية صاحبة الرقم الصعب 194 لن تقوم بدون إذن خاص يصدر من دولة إسرائيل للعبور والجلوس على الكرسي الأزرق ضمن أروقة الأممالمتحدة. والسبب بسيط لأن "نتنياهو" يعيد في كل مرة تزداد عليه الضغوط الخارجية والداخلية نظرية "البيضة قبل أم الدجاجة" في فلسفة ممجوجة، يا ليتها كانت محصورة في مجالات الفلسفة الأكاديمية، إلا أن "نتنياهو" يلتزم بها في السياسة الإسرائيلية للوصول إلى ما يريد. السلام أولاً ومن بعد ذلك يتم التباحث ربما لعقود قادمة حول كيفية ونوعية الدولة الفلسطينية التي سيتم الإعلان عنها، طبعاً، حسب المواصفات الإسرائيلية والشروط المفروضة من علٍ. إسرائيل لا تملك قوة الحق في كل ذلك، وإنما تتعامل بحق القوة في كل ساعة تريد أن تدفع بالأمور نحو الأسوأ، وبالمقابل أصحاب الحق الأصلاء وبشهادة العالم أجمع يعلمون ذلك منذ اختلاق المشكلة الفلسطينية في 1947، إلا أنهم لا يملكون للحق القوة التي تقلب على إسرائيل هذه المعادلة الجائرة. إذا كان هذا منطق الواقع بشأن القضية الفلسطينية وإن كان معكوساً ولا يمضي للصالح الفلسطيني على طول الخط، فماذا يملك الطرف الأضعف في هذه المعادلة الشائكة من أوراق القوة أمام الصلف الإسرائيلي و"الفيتو" الأمريكي الذي يزيد من جرعة العناد لدى الطرف الآخر وهو الأقوى ليس لذاته وإنما لقوة داعِمه. من الواضح أن الدولة الفلسطينية لن يتم الإعلان عنها من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا من مجلس الأمن المحكوم دائماً ب"الفيتو" وهذا الوضع ليس بجديد بالنسبة للقضية الفلسطينية، وإنما لأي قضية مستجدة. إن سياسة التعامل مع إسرائيل لا ينبغي أن تتم عبر مقولات عاطفية تروج كلما زاد إجحاف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية الشرعية والمشروعة بالإجماع الدولي والإنساني، فمقولة محو إسرائيل من الوجود أو مقولة أخرى بإغراق إسرائيل عبر "الهبَّة المصرية"، وغير ذلك من المقولات كانت مطروحة في بدايات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر المقولة المشهورة ب"رمي إسرائيل في البحر"، هذه المقولات تضعف من الحق الفلسطيني ولا تدعمه. الدولة الفلسطينية المرتقبة ليست سلعة سياسية يراد رفع سعرها في فترة وخفضها في فترات أخرى، فالأمر ليس كذلك، لأن فلسطين محور الصراع في العالم العربي والإسلامي، فإذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي عادل فإن نمط الصراع ذاته سيتحول من صراع على الحدود وإن كانت حاليّاً محدودة بالعام 1967، إلى صراع وجود من عدمه وهذا ما لا توافق عليه أي سياسة تأخذ في اعتبارها مجريات الواقع اليوم. حتى إسرائيل إذا أرادت أن تمضي سالمة في طريقها إلى الحل العادل، فلا يجديها العودة إلى التاريخ الذي رفض فيه الفلسطينيون القبول بأكثر من 40 في المئة من أرض فلسطين لإقامة دولتهم، وإن كان المطلوب الآن أقل من ذلك بكثير وهو قرابة 13 في المئة من إجمالي الأراضي المحتلة، فطول الصراع كان سبباً رئيسيّاً لتقديم الكثير من التنازلات حتى هذه اللحظة الفاصلة. فالساسة من كلا الجانبين سواء على مستوى الأطراف المعنية بحل الصراع وضرورة الانتهاء منه في أسرع وقت أو الوسطاء من الغرب أو الشرق، فالكل معني بإيجاد حل سياسي يمكن التعامل معه في إطار الشرعية الدولية، وذلك حتى لا ينفرد الذئب الإسرائيلي بالفلسطينيين من دون أن يحرك ذلك ساكناً. إن وصول أمر الدولة الفلسطينية إلى الأممالمتحدة يلقي أعباء أكبر على كل أعضائها، وبالتالي التنصل منها صعب وإدارة الظهر عن القضية برمتها أشبه بالمستحيل. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية