«تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد»: 87 ألف طالب سجلوا لأداء اختبارات القدرات    مؤتمر جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشحي «مستقبل وطن» بانتخابات «الشيوخ»    الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    قطع المياه 6 ساعات عن بعض مناطق الجيزة.. غدًا    «المشاط» تناقش تطورات تنفيذ مبادرة «بريدجتاون» لإصلاح النظام المالي العالمي    حركة تجارية حيوية بميناء دمياط تعزز الأمن الغذائي والصناعي لمصر    معهد وقاية النباتات يطلق برنامجًا تدريبيًا لتوطين صناعة الحرير    مصر شريان المساعدات النابض لأهل غزة والضامن لاستمرار الحياة | تقرير    إسرائيل تستعين بالكلاب للبحث عن منفذ عملية الدهس في كفار يونا    ارتفاع حصيلة القتلى في معارك مسلحة بين تايلاند وكمبوديا إلى 12 شخصا    إسرائيل تخصص 274 مليون دولار لدعم الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة    رسالة خطية من الرئيس السيسي لنظيره المالي    برازيلي جديد يرفض الإعارة ويتمسك بالاستمرار في ريال مدريد    مصر تهزم تونس بمستهل مشوارها في بطولة العالم لشباب الكرة الطائرة تحت 19 سنة    ريبيرو يحاضر لاعبي الأهلي قبل انطلاق تدريبات الفريق بطبرقة    جلسة أخيرة بين مسؤولي الزمالك وبتروجت للتفاوض على ضم حامد حمدان    انتداب المعمل الجنائى لفحص أسباب حريق مصنع فايبر بقليوب وحصر كافة الخسائر| صور    في اليوم العالمي للإنقاذ | بطولات لاتعرف الغرق    موعد ظهور نتيجة الثانوية الأزهرية بمحافظة الأقصر لعام 2025    قيمتها 26 مليون جنيه.. ضبط 228 كيلو مخدرات بحوزة عناصر بؤر إجرامية    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الجيزة    شمال سيناء: حادثا سير في منطقتي صدر الحيطان وبئر العبد يُسفران عن إصابة 6 بينهم طفل و3 عمال    ضبط مدير مكتب كاستينج بدون ترخيص بالجيزة    للاستيلاء على الدقيق المدعم ..ضبط 485 بطاقة تموين بمخبز في الغربية    أحمد سعد يكشف كواليس تعاونه مع دنيا سمير غانم وعمرو سعد    الكشف عن جدارية تصور المسيح وهو يشفي المرضى في مصر    بعد حصوله على عدة جوائز.. الفيلم الفلسطيني "شكرًا لأنك تحلم معنا" بنقابة الصحفيين الإثنين    النشيد الأولمبى: خلق حياة من تحت الأنقاض    200 طفل يبدعون في كامب طنطا الثقافي.. ورش لغة وفنون وتكنولوجيا مجانا طوال الصيف    "النيل عنده كتير".. مبادرة جديدة من الثقافة للاحتفاء بوفاء النيل    «100 يوم صحة» تقدم 13 مليون خدمة طبية مجانية خلال ثمانية أيام    صحة الشرقية تتصدر الجمهورية في خدمات القوافل الطبية للعام الثالث على التوالي    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    بدء التشغيل الكلي لمجمع المواقف الجديد في بني سويف    ليفربول يجهز عرضًا قياسيًا لضم ألكسندر إيزاك من نيوكاسل    تقرير جنوب إفريقي: لا نية ل صنداونز لبيع ريبيرو إلى بيراميدز.. والوجهة المفضلة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    منتخب جامعات مصر للتايكوندو يحصد فضية الألعاب الصيفية للجامعات بألمانيا    «خدمة المجتمع» بجامعة القاهرة يناقش التكامل بين الدور الأكاديمى والمجتمعى والبيئي    "مدبولي" يؤكد أهمية بناء الوعي في تشييد حائط صد ضد نمو الشائعات    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    نقابة المهن السينمائية تشيد بمسلسل "فات الميعاد"    استكمال أعمال رصف طريق بني غالب- جحدم في أسيوط بتكلفة 17 مليون جنيه    عمرو الورداني: النجاح ليس ورقة نتيجة بل رحلة ممتدة نحو الفلاح الحقيقي    لو لقيت حاجة اقعدها وقت قد ايه لحين التصرف لنفسي فيها؟.. أمين الفتوى يجيب    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    التخصصات والأسعار .. مصروفات الجامعات الأهلية 2025 (قائمة كاملة)    "السبكي" يبحث مع "Abbott" نقل أحدث تقنيات علاج أمراض القلب    لماذا يستيقظ كبار السن مبكرا؟ إليك ما يقوله العلم    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    مصادر: سول تقترح استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار بأمريكا في إطار محادثات الرسوم الجمركية    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    روسيا: تعليق عمل مطار سوتشي 4 ساعات بسبب هجمات أوكرانية    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوسن الأبطح: العرب: 100 سنة ثورة
نشر في أخبار مصر يوم 09 - 06 - 2011

تتسابق مراكز الأبحاث الغربية على دراسة ظاهرة الثورات العربية. ويجتهد بحاثة لامعون، مع أكاديميين وكتاب عرب يستضيفونهم، لتفسير سبب انفجار الغضب الشعبي الآن تحديدا، ومن ثم انتقال عدواه من بلد إلى آخر. أما الهدف فهو الوصول إلى الطريقة التي تمكن الغرب من التعامل مع هذه التغيرات الانقلابية المفاجئة بما يناسب مصالحه المستقبلية ويحفظها. ولا يبدو، لغاية الآن، أن هذه الدراسات قادرة على إعطاء رأي حاسم وجلي، في موضوع ما زال يحير العرب قبل غيرهم. فبين من يعيد الأمر إلى مؤامرة أميركية، ومن يتحمس للانتفاضات كحركات تلقائية، ثمة آراء عدة متفاوتة. هذا عن العرب، أما في الغرب فيطلع علينا الفرنسي جيل كيبل، ليحدثنا عن ارتفاع أسعار الأرز والسكر، وانتهاء مدة صلاحية الحركات الإسلامية، مع انتشار الفساد، كأسباب أساسية لاندلاع المظاهرات. وهناك من وصل به الأمر إلى حد البحث عن أصل استعمال مصطلح «الشارع العربي»، ليفهم ما الذي يحدث فيه. ورأى الكاتب بريان بالمر أن أول من استخدم هذا المصطلح هم الصحافيون اللبنانيون في خمسينات القرن الماضي، للتعبير عن غضبة الشعوب العربية المقهورة، ليأخذه عنهم بعد ذلك الأميركيون في السبعينات، وينتشر المصطلح. لكن الباحث الفلسطيني في الجامعة الأميركية ببيروت ساري حنفي يتوسم خيرا في أن هذا التعبير بات إلى زوال ليولد مصطلحا آخر، من رحم الثورات العربية هو «الرأي العام العربي». وهذا دليل تحول جذري بالنسبة له، ينهض بنا من مستوى الغوغائية الشوارعية إلى رحاب الديمقراطية التي يفترض أن تكون مؤسساتية.
ثمة آراء تستحق الاهتمام كتلك التي أطلقها الباحث الأميركي–الإسرائيلي مارتن كرامر، الذي يرى أن العالم العربي لا يتعطش إلى الديمقراطية بقدر توقه للوحدة بدليل أن الثورات تناسلت واحدتها من الأخرى، بفعل إحساس قوي بترابط عضوي متين بين هذه الدول. لذا فهو يتوقع عودة قوية بلباس جديد للفكر العروبي في السنوات المقبلة، بعد أن تذوى موجة الإسلاميين الذين يرى البعض أنهم باتوا منقسمين على أنفسهم، بسبب تعدد الاجتهادات، واختلاف الآراء بحيث إن «الإخوان» أنفسهم باتت لهم أهواء ومشارب.
لا يقل تخبط البحاثة والكتاب في قراءتهم لظاهرة الثورات عن تخبط الثورات نفسها على الأرض. فإذا كانت الثورة الفرنسية قد احتاجت ما يقارب قرنا من الزمان لتصل بأبنائها إلى الديمقراطية المنشودة، فالثورات العربية لم يمض على اندلاعها سوى بضعة أشهر، أريق خلالها دماء آلاف الضحايا، من قتلى ومصابين، ولم يبدأ تغيير النظام فعليا إلا في دولتين هما مصر وتونس، فيما تنتظر دول مثل اليمن وليبيا وسوريا بداية انفراجات مأمولة.
قد يكون أسهل ألف مرة الحديث عن سبب الثورات من التكهن بمستقبلها الضبابي. فالانتفاضات قامت لغاية الآن ضد أنظمة يعود عمر بنيتها الأساسية إلى عقود خلت، وهي منذ ذلك الحين صدأت وتآكلت، وسندت عمارتها المتداعية بالأقرباء والمرتشين، وبأجهزة أمنية خاصة تذود عنها بالمدافع والطائرات واللعب على وتر التناقضات الدينية والعشائرية.
أوصل علي عبد الله صالح شعبه إلى مستوى الدول الأكثر فقرا في العالم، ويعاني بعض اليمنيين من سوء التغذية، وانخفض مستوى إنتاج البترول إلى أقل من النصف في السنوات الأخيرة بسبب الإهمال واللامبالاة. يحكم صالح إمبراطورية من الفساد سواء في الجيش الذي يعتبر ثلث أعضائه مجرد أشخاص شبحيين لا وجود لهم، يتقاضى رواتبهم كبار الضباط، أو بعطاياه التي خصصها للقبائل التي تذهب إلى جيوب رؤسائها للتواطؤ معه. اليمن لم يعد سعيدا مع رجل كل ما يشغله منذ ثلاثين عاما هو تقوية دعائم سلطته وتوريث المراكز لآل صالح.
مصر قبل الثورة كانت تعطي انطباعا بأنها آيلة إلى انهيار ما، التصدع في كل مكان، وثمة ما يتهيأ لأن يهوي على رؤوس الناس. تونس كانت تغلي أيضا قبل سقوط بن علي. واليوم لو سألت ناشطين سوريين عما يتوقعونه، يقولون لك بصراحة فجة إنهم لم يستبعدوا حين بدأوا مظاهراتهم أن يكون مصيرهم مشابها لمصير الثوار الليبيين، لكنهم في الوقت نفسه، يخبرونك أنهم لم يجدوا خيارات بديلة، يلجأون إليها.
هذه الأنظمة الأمنية العسكرية التي تعود بنيتها الأولى إلى ما قبل زمن الإنترنت، والتواصل وبعضها يرجع حتى إلى ما قبل زمن التلفزيون عاجزة اليوم عن فهم المتغيرات التي تحيط بها، فكيف لها أن تقوم بإصلاحات ذاتية أو تستوعب أن ما كانت تفعله في الظل لعقود خلت بات ينقل على الهواء مباشرة، رغم التعتيم والقتل والتعذيب.
عرض القذافي على شعبه تغيير العلم الوطني، وأن يعطي كل فرد منهم حصته من النفط ليبيعها كما يشاء، بدا هزليا ومضحكا، كما بدا صالح قديما وآتيا من زمن غابر وهو يقول إنه «لن يترشح بعد اليوم». فيما يبدو الكلام عن الإصلاحات السورية الموعودة وكأنه إعادة لما سمعه السوريون من عشر سنوات.
تعود القبائل لتنتعش، تستفيق الطوائف من سباتها، تترعرع الرغبات والطموحات. ها هو شيخ مشايخ بني حاشد صادق الأحمر يتصدر المشهد، وقبائل درعا والرقة تستنفر، ومثلها فعلت قبائل ليبيا، وقبل هؤلاء استفاقت عشائر العراق بمجرد أن انحسر الغطاء البعثي، ودخل الأميركيون أرض بابل.
المشهد يتعقد، البنى المجتمعية التي خنقتها الأنظمة العسكرية لم تمت بل كانت مخدرة تنتظر عودتها إلى الحياة. لا ينسى العربي أصله وفصله، كما لا يتهاون بطائفته وهويته الدينية. الشيء الوحيد الذي يجمع عليه المنتفضون اليوم، هو رفضهم للأنظمة القائمة، وهم على استعداد للموت كي ينهوا أجلها. الحديث عن البديل يؤجل إلى ما بعد سقوط النظام، هذا ما فعله المصريون، واحتذى بهم الآخرون. الكلام عن نظام ديمقراطي وانتخابات، في ظل مجتمعات تنام على طبقات من موروثات معتقة، يعني أننا سنحتاج سنوات طوال من المخاضات العسيرة. ما يفعله الرؤساء المتمسكون بالكراسي من محاولة الفتك بشعوبهم وإلهائهم بعضهم ببعض، من خلال نزاعات أهلية داخلية قبل أن يضطروا للتخلي عن كرسي الرئاسة عنوة، لا يسعف في تسهيل مهمة الثوار. وهو تماما ما يتمناه الرؤساء المخلوعون، الذين لسان حال كل منهم يقول: «أنا ومن بعدي الطوفان».
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.