الذهب يواصل التراجع مع انحسار التوترات التجارية    24 يوليو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 24 يوليو 2025    «يوتيوب» يحقق ارتفاعًا في إيرادات الإعلانات لتصل إلى 10 مليارات دولار    ترامب يشترط فتح الأسواق الأوروبية أمام أمريكا مقابل خفض الرسوم    استشهاد فلسطينية بنيران الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة    فيدان: مفاوضات روسيا وأوكرانيا تتقدم نحو التوصل لنتائج    قبل الرحيل.. وسام أبو علي يودع جمهور الأهلي    ليفربول يراقب جوهرة الدوري الفرنسي    حالة الطقس اليوم الخميس 24 يوليو 2025.. الأرصاد تحذر من استمرار الموجة شديدة الحرارة    ضبط 126.1 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    أسماء أبواليزيد تحتفل بنجاح «فات الميعاد»: «رحلة حب وشغل بضمير»    جامعة القاهرة تطلق جائزة التميز الداخلي للجامعات 2025 تأهيلًا للمشاركة في جائزة التميز الحكومي    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 24 يوليو 2025    التضامن تنفذ أنشطة تثقيفية ورياضية وترفيهية بمؤسسة فتيات العجوزة    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. قائمة بالكليات المتاحة علمي وأدبي ومؤشرات الحد الأدنى للقبول    الرئيس الصيني: نسعى لتعزيز الثقة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي رغم الخلافات    قصف إسرائيل ومطار «بن جوريون» خارج الخدمة مؤقتًا    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    «موانئ دبي» تحقق مليار دولار تمويلاً للتجارة في الأسواق الناشئة    «صفقة قادمة».. شوبير يشوّق جماهير الأهلي حول المهاجم الجديد    ريال مدريد يغازل رودري.. وحيلة لتخفيض قيمة الصفقة    هل توافق على إقراض الحكومة من مدخراتك؟ خبير يوضح العائد الحقيقي من سندات التجزئة    سيناء في «قلب جهود التنمية»    تنسيق الجامعات 2025 علمي علوم.. كليات تقبل من 60% ومؤشرات الحد الأدنى للقبول    لطلاب البكالوريا 2025.. تعرف علي كليات مسار الآداب والفنون    إصابة شخصين إثر انقلاب سيارة بطريق "الإسماعيلية- العاشر من رمضان"    أرخص الجامعات الأهلية في مصر 2026.. المصروفات الكاملة وطرق التقديم (القائمة المعتمدة)    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    السفير رياض منصور: البيت الأبيض قادر على وقف النار خلال 24 ساعة    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    موت بإرادة الأب.. النيابة تأمر بدفن جثة ضحية شبرا الخيمة    في ذكرى يوليو.. قيادات حزبية وبرلمانية: خطاب الرئيس يؤكد صلابة الدولة    تايلاند تعلن إغلاق المعابر الحدودية مع كمبوديا وتستدعي سفيرها مع تصاعد التوترات    روسيا: تعليق عمل مطار سوتشي 4 ساعات بسبب هجمات أوكرانية    نجاح فريق طبي بمستشفى الفيوم في إنقاذ مريض مصاب بتهتك وانفجار في المثانة بسبب طلق ناري    رجال غيّروا وجه مصر.. ما تيسر من سيرة ثوار يوليو    موضة التسعينيات تسيطر على عالم أزياء المراهقات    مخرج «اليد السوداء»: نقدم حكاية عن المقاومة المصرية ضد الاحتلال    أحمد نبيل فنان البانتومايم: اعتزلت عندما شعرت بأن لا مكان حقيقى لفنى    بأغنية «يا رب فرحني».. حكيم يفتتح صيف 2025    أحمد سعد يطلق «حبيبي ياه ياه» بمشاركة عفروتو ومروان موسى    إخماد حريق في محطة وقود بالساحلي غرب الإسكندرية| صور    رئيس محكمة النقض يستقبل وزير العدل الأسبق لتقديم التهنئة    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    بمستشفى سوهاج العام.. جراحة دقيقة لطفلة مصابة بكسر انفجاري بالعمود الفقري    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل سلطة التونة بالذرة    سيف جعفر: فيريرا يتعامل معنا بشكل مثالي.. والصفقات الجديدة إضافة قوية    شوبير يكشف حقيقة اهتمام الأهلي بضم أحمد فتوح    بعد شكوك المؤامرة.. عبدالله السعيد يتدخل للإطاحة بنجم الزمالك.. تقرير يفجر مفاجأة    لا ترمِ قشر البطيخ.. قد يحميك من مرضين خطيرين وملئ بالفيتامينات والمعادن    اليوم، تعديلات جديدة في مواعيد تشغيل القطار الكهربائي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    5 معلومات عن المايسترو الراحل سامي نصير    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوسن الأبطح: العرب: 100 سنة ثورة
نشر في أخبار مصر يوم 09 - 06 - 2011

تتسابق مراكز الأبحاث الغربية على دراسة ظاهرة الثورات العربية. ويجتهد بحاثة لامعون، مع أكاديميين وكتاب عرب يستضيفونهم، لتفسير سبب انفجار الغضب الشعبي الآن تحديدا، ومن ثم انتقال عدواه من بلد إلى آخر. أما الهدف فهو الوصول إلى الطريقة التي تمكن الغرب من التعامل مع هذه التغيرات الانقلابية المفاجئة بما يناسب مصالحه المستقبلية ويحفظها. ولا يبدو، لغاية الآن، أن هذه الدراسات قادرة على إعطاء رأي حاسم وجلي، في موضوع ما زال يحير العرب قبل غيرهم. فبين من يعيد الأمر إلى مؤامرة أميركية، ومن يتحمس للانتفاضات كحركات تلقائية، ثمة آراء عدة متفاوتة. هذا عن العرب، أما في الغرب فيطلع علينا الفرنسي جيل كيبل، ليحدثنا عن ارتفاع أسعار الأرز والسكر، وانتهاء مدة صلاحية الحركات الإسلامية، مع انتشار الفساد، كأسباب أساسية لاندلاع المظاهرات. وهناك من وصل به الأمر إلى حد البحث عن أصل استعمال مصطلح «الشارع العربي»، ليفهم ما الذي يحدث فيه. ورأى الكاتب بريان بالمر أن أول من استخدم هذا المصطلح هم الصحافيون اللبنانيون في خمسينات القرن الماضي، للتعبير عن غضبة الشعوب العربية المقهورة، ليأخذه عنهم بعد ذلك الأميركيون في السبعينات، وينتشر المصطلح. لكن الباحث الفلسطيني في الجامعة الأميركية ببيروت ساري حنفي يتوسم خيرا في أن هذا التعبير بات إلى زوال ليولد مصطلحا آخر، من رحم الثورات العربية هو «الرأي العام العربي». وهذا دليل تحول جذري بالنسبة له، ينهض بنا من مستوى الغوغائية الشوارعية إلى رحاب الديمقراطية التي يفترض أن تكون مؤسساتية.
ثمة آراء تستحق الاهتمام كتلك التي أطلقها الباحث الأميركي–الإسرائيلي مارتن كرامر، الذي يرى أن العالم العربي لا يتعطش إلى الديمقراطية بقدر توقه للوحدة بدليل أن الثورات تناسلت واحدتها من الأخرى، بفعل إحساس قوي بترابط عضوي متين بين هذه الدول. لذا فهو يتوقع عودة قوية بلباس جديد للفكر العروبي في السنوات المقبلة، بعد أن تذوى موجة الإسلاميين الذين يرى البعض أنهم باتوا منقسمين على أنفسهم، بسبب تعدد الاجتهادات، واختلاف الآراء بحيث إن «الإخوان» أنفسهم باتت لهم أهواء ومشارب.
لا يقل تخبط البحاثة والكتاب في قراءتهم لظاهرة الثورات عن تخبط الثورات نفسها على الأرض. فإذا كانت الثورة الفرنسية قد احتاجت ما يقارب قرنا من الزمان لتصل بأبنائها إلى الديمقراطية المنشودة، فالثورات العربية لم يمض على اندلاعها سوى بضعة أشهر، أريق خلالها دماء آلاف الضحايا، من قتلى ومصابين، ولم يبدأ تغيير النظام فعليا إلا في دولتين هما مصر وتونس، فيما تنتظر دول مثل اليمن وليبيا وسوريا بداية انفراجات مأمولة.
قد يكون أسهل ألف مرة الحديث عن سبب الثورات من التكهن بمستقبلها الضبابي. فالانتفاضات قامت لغاية الآن ضد أنظمة يعود عمر بنيتها الأساسية إلى عقود خلت، وهي منذ ذلك الحين صدأت وتآكلت، وسندت عمارتها المتداعية بالأقرباء والمرتشين، وبأجهزة أمنية خاصة تذود عنها بالمدافع والطائرات واللعب على وتر التناقضات الدينية والعشائرية.
أوصل علي عبد الله صالح شعبه إلى مستوى الدول الأكثر فقرا في العالم، ويعاني بعض اليمنيين من سوء التغذية، وانخفض مستوى إنتاج البترول إلى أقل من النصف في السنوات الأخيرة بسبب الإهمال واللامبالاة. يحكم صالح إمبراطورية من الفساد سواء في الجيش الذي يعتبر ثلث أعضائه مجرد أشخاص شبحيين لا وجود لهم، يتقاضى رواتبهم كبار الضباط، أو بعطاياه التي خصصها للقبائل التي تذهب إلى جيوب رؤسائها للتواطؤ معه. اليمن لم يعد سعيدا مع رجل كل ما يشغله منذ ثلاثين عاما هو تقوية دعائم سلطته وتوريث المراكز لآل صالح.
مصر قبل الثورة كانت تعطي انطباعا بأنها آيلة إلى انهيار ما، التصدع في كل مكان، وثمة ما يتهيأ لأن يهوي على رؤوس الناس. تونس كانت تغلي أيضا قبل سقوط بن علي. واليوم لو سألت ناشطين سوريين عما يتوقعونه، يقولون لك بصراحة فجة إنهم لم يستبعدوا حين بدأوا مظاهراتهم أن يكون مصيرهم مشابها لمصير الثوار الليبيين، لكنهم في الوقت نفسه، يخبرونك أنهم لم يجدوا خيارات بديلة، يلجأون إليها.
هذه الأنظمة الأمنية العسكرية التي تعود بنيتها الأولى إلى ما قبل زمن الإنترنت، والتواصل وبعضها يرجع حتى إلى ما قبل زمن التلفزيون عاجزة اليوم عن فهم المتغيرات التي تحيط بها، فكيف لها أن تقوم بإصلاحات ذاتية أو تستوعب أن ما كانت تفعله في الظل لعقود خلت بات ينقل على الهواء مباشرة، رغم التعتيم والقتل والتعذيب.
عرض القذافي على شعبه تغيير العلم الوطني، وأن يعطي كل فرد منهم حصته من النفط ليبيعها كما يشاء، بدا هزليا ومضحكا، كما بدا صالح قديما وآتيا من زمن غابر وهو يقول إنه «لن يترشح بعد اليوم». فيما يبدو الكلام عن الإصلاحات السورية الموعودة وكأنه إعادة لما سمعه السوريون من عشر سنوات.
تعود القبائل لتنتعش، تستفيق الطوائف من سباتها، تترعرع الرغبات والطموحات. ها هو شيخ مشايخ بني حاشد صادق الأحمر يتصدر المشهد، وقبائل درعا والرقة تستنفر، ومثلها فعلت قبائل ليبيا، وقبل هؤلاء استفاقت عشائر العراق بمجرد أن انحسر الغطاء البعثي، ودخل الأميركيون أرض بابل.
المشهد يتعقد، البنى المجتمعية التي خنقتها الأنظمة العسكرية لم تمت بل كانت مخدرة تنتظر عودتها إلى الحياة. لا ينسى العربي أصله وفصله، كما لا يتهاون بطائفته وهويته الدينية. الشيء الوحيد الذي يجمع عليه المنتفضون اليوم، هو رفضهم للأنظمة القائمة، وهم على استعداد للموت كي ينهوا أجلها. الحديث عن البديل يؤجل إلى ما بعد سقوط النظام، هذا ما فعله المصريون، واحتذى بهم الآخرون. الكلام عن نظام ديمقراطي وانتخابات، في ظل مجتمعات تنام على طبقات من موروثات معتقة، يعني أننا سنحتاج سنوات طوال من المخاضات العسيرة. ما يفعله الرؤساء المتمسكون بالكراسي من محاولة الفتك بشعوبهم وإلهائهم بعضهم ببعض، من خلال نزاعات أهلية داخلية قبل أن يضطروا للتخلي عن كرسي الرئاسة عنوة، لا يسعف في تسهيل مهمة الثوار. وهو تماما ما يتمناه الرؤساء المخلوعون، الذين لسان حال كل منهم يقول: «أنا ومن بعدي الطوفان».
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.