الأخطاء تتكرر‏!

نقطة نور

مع الأسف‏,‏ تكرر الأنظمة العربية الخطأ نفسه الذي وقع فيه النظامان المصري والتونسي‏,‏ عندما أفاق النظامان‏,‏ بعد نوم طويل على ثقة كاذبة‏,‏ إلى أن حجم الغاضبين أكبر كثيرا من كل تقديرات الأجهزة‏.
لم يعد يصلح معها الادعاءات القديمة السابقة بأنهم مجرد قلة مارقة‏,‏ واضطر النظامان إلى استخدام العنف المفرط بدعوى أن المتظاهرين تحركهم أياد أجنبية‏,‏ وأنهم يهدرون مصالح الوطن العليا‏,‏ أو تسيير مظاهرات مضادة موالية‏,‏ في الأغلب مدفوعة الأجر‏,‏ لعل العالم يصدق أن هذه الأنظمة لاتزال تتمتع بقدر من المساندة الشعبية‏,‏ لكن هذه المظاهرات غالبا ما تجر البلاء على الحكم‏,‏ وتزيد الصورة سوءا‏,‏ خاصة عندما تبدأ في ممارسة صور بشعة من البلطجة ضد المعارضين‏,‏ كما حدث ليلة الهجوم الوحشي على المتظاهرين في ميدان التحرير التي شهدت صورا من الإجرام يندى لها الجبين‏,‏ وأدت إلى تغيير شامل في مواقف المصريين‏,‏ اشمئزازا مما حدث‏,‏ ويأسا من قدرة النظام على إصلاح نفسه‏,‏ ودفعت غالبية الشعب إلى أن تحسم اختيارها وتقف إلى جانب ثوار التحرير‏,‏ وتنزل بالملايين إلى الميدان لتفصح عن انحيازها لثورة الشباب‏.
‏
وفي اضطرابات بني غازي قبل يومين‏,‏ سقط ما يزيد على 20‏ شهيدا وأصيب العشرات‏,‏ وفي المنامة عاصمة البحرين سقط أربعة قتلى وأصيب العشرات في عملية إخلاء ميدان اللؤلؤة من المتظاهرين الذين كانوا يعتصمون في الميدان‏,‏ يرفعون شعارات تطلب فقط انجاز الإصلاحات السياسية الموعودة‏,‏ وإسقاط كل صور التمييز بين أبناء الشعب الواحد‏,‏ وتمكين الشيعة من حصة تكافئ أعدادهم في الوظائف والمناصب‏,‏ والسماح لهم بالخدمة العامة في الأمن والقوات المسلحة باعتبارهم مواطنين صالحين‏,‏ وفي صنعاء وتعز وعدن تتواصل كل يوم الصدامات بين المعارضين والمؤيدين‏,‏ ويسقط العديد من الضحايا في خطة فاشلة تضرب الشعب بالشعب‏!‏
ومن عجب أن تختفي أصوات الحكمة والعقل في العالم العربي‏,‏ ولا نعود نسمع من داخل الأنظمة العربية صوتا ناضجا يدعو نظم الحكم إلى استيعاب الدروس المستفادة مما حدث في مصر وتونس‏,‏ والإقرار بشرعية المطالب التي يرفعها شباب العالم العربي الذين يشكلون غالبيته العظمى‏,‏ ويعتصرهم القلق من البطالة‏,‏ وانتشار الفساد وتباطؤ عجلة الإصلاح‏,‏ باستثناء أمير سعودي ملك شجاعة أن يخرج على شاشات الأخبار‏,‏ محذرا مليكه من نار الثورة التي تزحف إلى كل العواصم العربية‏,‏ مطالبا بضرورة الرضوخ لمطالبهم في تحقيق إصلاح جاد ينقل العالم العربي من حكم الفرد والشلة والأسرة والقبيلة إلى حكم ديمقراطي صحيح‏.‏
نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية