إجتزنا يوم الإنتخابات.. وقد حققت ديمقراطيتنا فوزاً وتقدماً برغم أن المؤثرات الصوتية وجماعات المصالح والتشويش على ما يتحقق في مصر مازالت تلاحق الحدث الإنتخابي بالكثير من المغالطات والأكاذيب التي قد تؤثر في البعض، ولكن الذين يعرفون مصر وهم كثيرون.. يدركون حقائق كثيرة تحققت أمس في بلدنا, وعلينا جميعا أن نعتز بها.. بل أن نفخر ونتطلع أن نبني عليها في الحاضر وفي المستقبل. في البداية يجب أن نشيد ونحيي الشرطة المصرية.. فقد أثبتت إحترافيتها العالية.. ومهنيتها الرفيعة.. ارتفعت إلى مستوى الحدث الكبير في كل ربوع الجمهورية وظهرت قوتها ونزاهتها, بل وهيبتها للكل, ولم يمنع ذلك من ظهور تجردها وعدالتها من المرشحين.. بالرغم من أن الكثيرين راهنوا على أن إجراء الانتخابات في كل المحافظات في يوم واحد في 44 ألف لجنة وما أدراك ما هذا الرقم بين قرى في الدلتا والصعيد ومدن وأحياء, بينها الراقي والساحلي والشعبي بل والعشوائي سيرهق جهاز الأمن. وسيوجد أعباء متزايدة على أفراده تتيح الفرصة للبلطجة ولعناصرها أن تفرض القوة على المقار الانتخابية أو على صناديق الاقتراع, وهو ما لم يحدث بالأمس. لقد كان العنف موجودا من البعض, ونسبته مازالت في الحدود التي يجب ألا يسمح بها في أي انتخابات قادمة لأن تزايده يؤثر على حرية الناخب في التعبير عن اختياراته. إن أنصار بعض المرشحين الذين وجدوا أنفسهم في وضع لم يتوقعوه, حاولوا الابتزاز أو البلطجة فتدخل الأمن وحسم المشاكل بل وحمى الدوائر, وحصن صناديق الاقتراع من الاختراق في أغلب الدوائر وأكثرها حساسية.. قوة الشرطة وجهاز الأمن وعدالته حققا لمصر هيبة ومكانة في يوم الانتخابات. لم نر قسوة أو إسرافا في استخدام القوة, ولكن وجدنا حسما واحترافية.. وهذا يكفينا ويرفع رءوسنا, ويزيد احترامنا لمؤسسة بدونها لا تتقدم الأمم, ولا نستطيع حماية مكاسب الشعوب... واللجنة العليا للانتخابات وقضاؤها.. والأعضاء والمشرفون على اللجان كانوا على مستوي الحدث, ولم نسمع أن مستهم أي شبهة, بل كانوا تعبيرا صادقا عن مصر المعاصرة وتطورها السياسي. لم يسرفوا في الظهور الإعلامي, وفي الوقت نفسه لم يغيبوا المعلومات عن الإعلام أو الصحفيين.. لقد حققوا المعادلة الدقيقة لجهة حيادية.. بإدارة عملية انتخابية صعبة وشاقة وتنافسية بين أكثر من18 حزبا, وأكثر من5 آلاف مرشح أكثرهم من المستقلين ومن بينهم جماعات خارجة على القانون, وأخري محظورة... فحققوا العدالة بينهم برغم صعوبتها, ونسبيتها في تلك الظروف الدقيقة والحساسة. نجاح أمس الأول, في أول بادرة أو تجربة للجنة العليا في انتخابات عامة تنافسية حزبية حادة, سيكون له تبعيات, وتأثيرات على مستقبل الديمقراطية في مصر, وتطور نظامها السياسي, وارتفاع بنيتها السياسية والديمقراطية علامة صحية وتطور يجب ألا تخطئه العين المتجردة التي ترصد الإيجابيات والسلبيات بلا تحيز, وتنظر بموضوعية إلى مستقبل الوطن ولا تقع في خطيئة النظرة السطحية. لا يعني ذلك ونحن نرصد أحداث انتخابات برلمان2010 التي جرت يوم الأحد28 نوفمبر أننا حققنا للنظام السياسي كل ما نريد وكل ما نطمح, فمازال أمامنا الكثير لكي نحققه, ومازال الكثير من المرشحين دون مستوى التمثيل البرلماني.. بل إن الشارع والعديد من اللجان مازالوا يتواصلون مع الناخبين بالكثير من الضغط والإكراه, والأكثر منه الإغراء والرشوة, والمال الانتخابي كان أكثر مما كنا نتوقعه, ويجب دراسة تلك الظاهرة السلبية الخطيرة, ومنع تكرارها في المستقبل. ديمقراطيتنا يجب أن تتخلص من العنف والبلطجة, وأن تتطهر من الرشوة أو استخدام النفوذ والأكثر منه الفوضى, وغياب التنظيم الدقيق، كما أن نسبة ال25% التي حضرت الانتخابات أمس الأول برغم أنها تعكس ارتفاعا نسبيا.. فإنها دون المستوى الذي نطمح إليه. كما أن أخطاء تسجيل الناخبين, والبحث عن مقارهم الانتخابية مازالت نسبتها كبيرة, ونتطلع إلى إجراء انتخابات مستقبلية ترتبط جذريا وعضويا بالرقم القومي.. فهذا يؤدي إلى حل كثير من الأخطاء والمشكلات التي ترهق الناخب, وتمنع تزايد نسبة المشاركة, ووصولها إلى المعدلات التي تمنع أن تسقط الانتخابات.. أي انتخابات فريسة للجماعات المنظمة أيا كانت.. بل أن تكون تعبيرا شعبيا دقيقا وصحيحا لإرادة المواطنين. ويجب أن ندرك أن انتخاباتنا.. مازالت تحتاج إلى تصحيح مسار كبير ورؤية أكبر وأوسع للديمقراطية, وهذا لن يتم إلا على أكتاف ديمقراطيين حقيقيين يتقبلون المكسب والخسارة على المستوي نفسه من الاحترام والتقاليد, أفرادا ومؤسسات, بل وجماهير وشعبا ينتخب ويعبر عن رأيه ويكشف عن إرادته, فاحترام المنافس وتقدير الناخب عملية تراكمية مستمرة تحتاج إلى وعي وتطور سياسي يليق بوطننا وبمصر التي نعرفها. ولكن ما حدث في مصر يوم الأحد كان خطوة كبيرة على طريق احترمت فيه الدولة الشرعية وأصوات الناخبين. لقد اجتزنا عملية شحن وعصبيات وتنافسات غير عادية, ارتفعت فيها معظم أحزابنا وقوانا السياسية إلى مستوى الأحداث, وأصبحت قادرة على التطور والنمو. نحن أمام مرحلة جديدة يجب أن نحافظ عليها ونبني عليها.. البسطاء وحدهم هم الذين يتصورون أنهم يمكنهم تحقيق الأهداف المرجوة من أول مرة, يجب أن ندفعهم ونشترك معهم لنقول لهم: أنتم قادرون وقد حققتم شيئا, وأصبحتم تملكون ما تعتزون به وتبنون عليه. الصورة تحمل الكثير من النضج والتطور.. وإلى معركة الإعادة بنفس القوة والانضباط واحترام أكثر للقانون والمؤسسات. نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية