لكن مصر لازالت تشهد إضطرابات حاليا فكيف تفسرين ذلك؟ سألتنى هذا السؤال واحدة من الحضور بعد انتهاء ندوة لى فى أيرلندا فى الشهر الماضى، تضمنت قراءات لبعض ما ترجمت من قصصى عن الشهداء، وعرضت فيها فيلما مصريا مترجما عن الثورة المصرية ، فأجبتها بأن الثورة المصرية لم تنته وإنها مستمرة، وأن الشباب الذى أشعل فتيل الثورة و الشعب الذى التف حوله ، لن يرضوا عن الظلم ولا الفساد مرة أخرى، وسيراقبون ما يجرى من أحداث ويعبرون عن رأيهم من منطلق أنهم أصحاب البيت لا ضيوفه. وهمست لنائبة برلمان أيرلندية كانت تدير الندوة واللقاء معى بعد أن لاحظت الدموع فى عينيها بعد مشاهدة الفيلم المصرى عن الثورة: سألتنى لماذا كتبت عن الضحايا، لو كنت مكانى ماذا كنت ستفعلين؟ أجابتنى بحزن شديد ، كنت سأفعل ذلك أيضا.
فى رأيى الخاص وربما يراه البعض متفائلا بعض الشىئ ، أرى أن الغد سيحمل لنا الكثير من الخير بإذن الله، وأن هؤلاء الشرفاء الذين قاموا بالثورة والذين أيدوها والذين لم يشاركوا إلا بدعائهم، لن يتركوا راية الحرية تسقط وتطؤها الأقدام، وسيقاومون من أجل التعبير عن أرائهم فى كل ما يدور فى الوطن.
الهم والحزن الآن حال كثير مننا بالداخل وقد يتمنى البعض السفر بلا رجعة، وقد يفقد أخرون الأمل فى مستقبل أفضل، ولكنى أقول لهم ليس الآن، فبعد الثورة وإنقشاع النظام الفاسد ليس لنا أن نفكر إلا فى الأفضل الذى لم يأت بعد.
الاستفتاء على الدستور ربما يحسم كثير من المسائل الخلافية بيننا، وليعلم البعض الذى قرر المقاطعة أن عدم تصويته سيضيف الكثير من النقاط لمؤيدى الدستور وينتهى الأمر بتفعيله، ولذا فلنصوت جميعا بنعم أم لا، فهذه أمانة فى عنقنا لمصر وهى شهادة مخلصة تقولها قلوبنا المحبة لهذا الوطن.
ولنترك الأمر بعد ذلك لله القدير الذى لن يضيع دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل هذا الوطن.
عند قراءة مسودة الدستور المنتشرة على الإنترت، وجدت أنى أتفق مع كثير من البنود المذكورة فلا أحد يختلف على أن يكون شرع الله هو الفيصل بيننا، ولا أحد يختلف على التأكيد على احترام بعض الحريات، ولكنى لاحظت كما لاحظ معظم المنسحبون من اللجنة التأسيسية ،ومنهم القانونيون، أن الخلاف لم يكن على مبدأ الشريعة الإسلامية فى حد ذاته و إنما على بعض المواد الخلافية التى تمنح الرئيس صلاحيات واسعة فهو الذى يعين القضاة وهوالذى يعين العسكريين ويمنح ويمنع الكثير من السلطات ، بشكل أثار قلق كثير من الدستوريين سواء من قضاة المحكمة الدستورية و كذلك ممثلي الأحزاب أو الكنيسة أو الإعلاميين أو الكتاب وغيرهم.
مع كل هذه التظاهرات وحالات الجرحى و من لا يزالون يسقطون قتلى وشهداء بعد أن قاربت الثورة على أن تتم عامها الثانى، سأقول لا لهذا الدستور حتى يجلس الجميع مرة أخرى للتحاور والتشاور للوصول إلى دستور يقيم شرع الله و وفى نفس الوقت يكون توافقيا يرضى جميع الأطراف،و يحد من سلطات رئيس الجمهورية المطلقة ويسمح بمزيد من الحريات والعدل.
و أخيرا أقول أن شرع الله بسيط وواضح لكل مؤمن ، وليس به ما يثير الضغائن ولا الخلاف، ولكن تمرير مواد تقيد من الشفافية والحريات بحجة الدين هو ما نرفضه جميعا، والله اعلم بالنوايا وليهدنا سبحانه إلى الحق المبين.