فى سوريا افتتح قبل أيام قلائل مهرجان سوريا الحرة السينمائى دورته الثانية تحت شعار «ثورة سينما» المهرجان بالطبع يعرض الأفلام الروائية والتسجيلية والرسوم المتحركة التى يناضل مبدعوها بالكاميرا ضد بشار الأسد الذى يضع حياته مقابل حياة سوري المهرجان اختار الشبكة العنكبوتية ملعبا له عبر ال«يوتيوب» ويتم التصويت إلكترونيا، لاختيار الفيلم الفائز الذى سيعلن عنه بعد غد. الدورة الأولى للمهرجان عقدت كبديل ثورى لمهرجان دمشق الذى أُرجئت دورته التاسعة عشر فى العام الماضى بسبب الثورة، حيث تنبه العديد من السينمائيين العرب إلى أن المقصود لم يكن إقامة مهرجان سينمائى بقدر ما هو توصيل رسالة للعالم بأن لا شىء استثنائى يحدث فى سوريا والدولة مسيطرة على كل جوانب الحياة. أتذكر أننى كنت أول من أشرت إلى خطورة إقامة مهرجان تحت رعاية بشار الأسد، بينما هو يقتل شعبه بأعصاب باردة، وكتبت مقالا عنوانه «مهرجان دمشق السينمائى الدموى» وبعدها أصدرت نقابة السينمائيين فى مصر قرارا بمقاطعة المهرجان، رغم أن عددا من النجوم كانوا قد أبلغوا موافقتهم على الحضور، بل إن غرفة صناعة السينما فى مصر -بسبب قصور فى الرؤية السياسية- لم تجد بأسا من إعلان تأييدها لإقامة المهرجان بحجة أن الغرفة لا يعنيها شىء سوى مصلحتها، وهم وجدوا أن مصلحتهم فى استجلاب بعض الفستق من دمشق. العديد من النقابات الفنية فى العالم العربى أعلنت تضامنها مع الثورة وقاطعت المهرجان وجاء القرار من بشار بالإلغاء منعا للفضيحة.
بالتأكيد كانت ضربة قاسية وجهت إلى بشار وإلى مؤسسة السينما السورية ذراع الأسد فى السيطرة على المثقفين. وجاءت الضربة الثانية من مهرجان القاهرة عندما قرر المدير الفنى للمهرجان ماريان خورى استبعاد الفيلم السورى «العاشق» الذى أنتجته المؤسسة كان الهدف هو حصار المؤسسة ثقافيا، وكنت أيضا أول من طالب مهرجان القاهرة باتخاذ هذه الخطوة، ليس رفضا للفيلم ولا المخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذى أشدت بعدد من أفلامه السابقة، وبينها «نسيم الروح» الذى استلهم فيه حياة الموسيقار بليغ حمدى، ولكن لأننا نعيش ظرفا استثنائيا ويجب أن نتنبه إلى أن الأسد يلعب بكل الأوراق. المثقف السورى صار يحسبها ألف مرة قبل أن يعلن موقفه، فهم لا يزالون يخشون بطش وانتقام الأسد وفى نفس الوقت يعملون حسابا للثوار، وهكذا عندما يُسأل بعضهم عن رأيه يقول إنه مع الاستقرار ويرجو لسوريا السلامة لا يدافع مباشرة عن بشار ولا عن الثورة ولكنه يقف فى المنطقة الرمادية. هذا الحياد القاتل لم يعد من الممكن التسامح معه فى تلك اللحظات المصيرية وفى نفس الوقت من يتصور أن الثقافة عليها أن تقف بعيدا عن هذا المعترك أراه لا يدرك قيمة الفيلم والأغنية واللوحة فى المعركة التى تعيشها الشعوب، خصوصا فى ظل ثورة امتدت نحو 19 شهرا تجابه سفاحا دمويا لا يتورع عن استخدام كل الأسلحة للدفاع عن بقائه.
فى مهرجان دبى كانت هناك العديد من المناقشات بينى وبين عدد من النقاد والسينمائيين العرب والأجانب عن استبعاد الأفلام السورية من العرض فى دبى؟ البعض أكد أن عبد اللطيف لم ينافق النظام وفيلمه الأخير «العاشق» لم يتناول الثورة السورية لا تأييدا أو رفضا، قلت نعم ولكن الآن نحن نعيش فى ظل ظرف استثنائى فكيف لمخرج يرى بلده تعيش الثورة ولا يعلن عن موقفه المؤيد للثوار، وبالطبع عبد اللطيف واحد من الفنانين الذين وقّعوا على بيان فى أعقاب الثورة مباشرة، يطالبون بالإصلاح ولكن تحت قيادة بشار وهو ورقة الدفاع الأخيرة التى لجأ إليها كل الطغاة وقبله زين العابدين ومبارك وعلى عبد الله صالح، وهى نعم للإصلاح ولا لسقوط النظام. الكل يعرف أن عددا من الفنانين والمثقفين مجبرون عليها تحسبا للأنظمة، ولكن لا يمكن أن تقف المهرجانات السينمائية مكتوفة الأيدى، بحجة «لا سينما فى السياسة ولا سياسة فى السينما» رغم أن كل اختيارات المهرجانات العربية والعالمية بعد ثورات الربيع العربى كانت مجرد تنويعات سينمائية على الثورات العربية. علينا أن نؤازر هذا المهرجان السورى الثورى الذى من المؤكد أنه لن يسمح للمشاركة فى فاعلياته من يفضلون الاحتماء بالمظلة الرمادية، مرددين نعم للثورة ونعمين لبشار.