كتبت الجمعة الماضية فى هذه الساحة أطالب مهرجان القاهرة باستبعاد فيلم «العاشق» الذى أنتجته مؤسسة السينما السورية ليس بسبب مستوى الفيلم، فأنا لم أشاهده ولا أيضا تشكيكا فى قيمة مخرج الفيلم عبد اللطيف عبد الحميد فهو واحد من أفضل المخرجين السوريين وكثيرا ما كتبت مشيدا بأفلامه، ولكن ما حدث بعد ثورات الربيع العربى هو أنك لا تستطيع أن تضع خطا فاصلا بين السياسى والثقافى. صارت الثقافة وجها آخر للسياسة، فى كل المهرجانات السينمائية أصبح الموقف السياسى هو الذى نُطل من خلاله على المشاركات السينمائية، ولا يمكن أن نغض الطرف بدعوى مثل تلك التى أطلقها عدد من منظمى مهرجان القاهرة -قبل أن يتنكروا لأقوالهم- وهى أنهم لا يقيمون مهرجانا سياسيا. لقد جاءتنى أمس رسالة غاضبة من عبد اللطيف عبد الحميد على الموبايل، ولكن قبل الرسالة أذكركم ببعض ما كتبته. فى كل المهرجانات العربية والعالمية دائما ثورات الربيع العربى حاضرة بقوة. السينما المصرية والتونسية لها مساحات، بينما السينما السورية نراها ممثلة بالأفلام والفنانين -أقصد بالطبع السينما التى يقدمها فنانون منحازون لثورة الشعب.. المفارقة أن مؤسسة السينما السورية تُنزل العقاب القاسى بالفنانين الذين يؤيدون الثورة وتعتبرهم من أعداء النظام، بينما مهرجان القاهرة يوجه دعوة إلى مؤسسة تعتبر إحدى أهم أذرع النظام السورى ولمخرج ولاؤه لبشار معلن وموثق.
هل إدارة المهرجان تريد أن تُقدم رسالة للعالم تقول فيها إنها تقف على نفس المسافة بين الشعب وبشار؟! هل من الممكن فى اللحظات المصيرية أن نختار كسينمائيين ومثقفين الحياد أم أن الحياد هذه المرة هو الخيانة بعينها؟!
وزير الثقافة المصرى باعتباره المسؤول سياسيا عن المهرجان يبدو أنه آخر من يعلم، هل غرروا به ورشحوا هذا الفيلم وهو لا يدرك ما الذى يعنيه أن يقدم فى مسابقته الرسمية فيلما من إنتاج نظام مرفوض شعبيا. الفيلم طبقا لكل ما هو معلن لا يتناول الثورة السورية سلبا أو إيجابا، ولكن أين هو الموقف السياسى للمهرجان؟ أعلم أن مدير مؤسسة السينما السورية الناقد محمد الأحمد صديقا لأغلب أعضاء الهيئة المنظمة للمهرجان، وهو بالمناسبة صديق أيضا لكاتب هذه السطور، ولكن هل تُسقط الصداقة المبادئ.بعد الثورة السورية بأشهر قليلة قررت مؤسسة السينما هناك إقامة مهرجان دمشق السينمائى الدولى لكى تُقدم للعالم رسالة تقول إنه لا توجد ثورة والحياة طبيعية. الغريب أن بعض النجمات المصريات رحبن بالمشاركة وأدركن وقتها أن الأمر يحتاج إلى موقف جماعى وكتبت فى تلك المساحة مقالا، عنوانه «مهرجان دمشق السينمائى الدموى» حذرت فيه من اشتراك مصر بالمهرجان وناشدت نقابة السينمائيين المصرية بإصدار بيان بالمقاطعة، وهو ما حدث وانضمت للسينمائيين نقابتا الممثلين والموسيقيين. بينما كان رئيس «غرفة صناعة السينما» الحاج منيب شافعى قد صرح كعادته، قائلا ليس لنا موقف سوى الانحياز لمصالحنا وكان الحاج على استعداد للذهاب إلى سوريا لتعضيد نظام بشار ولشراء الفستق وياميش رمضان كعادته السنوية لولا أن النقابات الفنية حالت دون ذلك، وهو ما يدعونى لأن أكرر دعوتى إلى النقابات الفنية لمنع الفيلم السورى من المشاركة فى المهرجان.
لا تزال قناعتى مهما كانت مساحة الخلاف الفكرى بينى وبين عدد من أعضاء المكتب الفنى لمهرجان القاهرة أن بينهم من سيتصدى ويحول دون استقبال هذا الفيلم الذى يسىء إلى روح الثورة المصرية قبل الإساءة إلى الثورة السورية!! وهو بالفعل ما حدث وإن كانت إدارة المهرجان قد قالت فى تبرير الموقف، إنها لم تكن تدرى وهى بالطبع تدرى وتدرى إلا أنهم لم يقدروا حجم الغضب ولم يدركوا المعنى السياسى لمشاركة هذا الفيلم، والدليل أن بعض المسؤولين فى البداية كان يردد لن نسيِّس المهرجان وسنبقى على الفيلم. اعتقد عبد اللطيف عبد الحميد أن كاتب هذه السطور هو السبب فى استبعاد «العاشق»، بينما الحقيقة هى أن المهرجان قد حاول حتى اللحظات الأخيرة أن يبقى على الفيلم. كتب لى المخرج فى رسالة غاضبة عبر الموبايل أننى أشدت بعدد من أفلامه، وهذه حقيقة فهو مبدع كبير، وأضاف أن هذا القرار يُقزم مهرجان القاهرة وعندما لم أرسل له ردا قال لى ليس من الرجولة أن لا أرد، وكتبت له رسالة قلت فيها إن الرجولة التى لم يعرفها المخرج هى أن يقف مع الشعب الثائر ضد الطاغية، ولكنه اختار الطاغية!!