حقيقة الأمر أن لسان حال آل مبارك يوحي بمقولة «دعونا نُزوّر في هدوء وكتمان دون أن يضبطنا أحد»! د. سعد الدين إبراهيم في المؤتمر الصحفي الذي نظمه لنا «اتحاد المحامين الليبراليين» من القاهرة لنتحدث عبر الأثير من واشنطن، أثار بعض الصحفيين ما يمكن أن يعترض «حملة المصير» لمُراقبة الانتخابات من صعاب. وفي رأينا، ورأي كثيرين من المُراقبين، أن العقبة الأكبر ليست في تدريب المُراقبين، حتي لو كانوا مليوناً. ولا هي في إيجاد التمويل لانتقالاتهم وإعاشتهم. ولا هي في تنظيمهم وتوزيعهم علي اللجان، حتي لو بلغت هذه الأخيرة مائة ألف لجنة، كما هو متوقع. فقد تطوّر علم «بحوث العمليات» «perations researches» خلال العقود الثلاثة الأخيرة بحيث يجد لهاتين العقبتين وغيرهما مائة حل وحل. ولكن العقبة الرئيسية هي المُعارضة المُستميتة لآل مبارك ضد الرقابة ليس فقط «الدولية»، ولكن حتي «الأهلية» التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني المصرية. وطبعا يُعطي نظام مبارك أسباباً شتي لهذه المُمانعة. من ذلك علي سبيل المثال أنها اعتداء علي «السيادة الوطنية» في حالة الرقابة الدولية، واعتداء علي سُلطة الدولة أو التشكيك في كفاءتها وإنصافها، في حالة «المراقبة الداخلية». وربما يتذكر بعض القرّاء أن تلك الادعاءات كانت جوهر التهم التي حاكمنا بها النظام، وأدخلني وسبعًا وعشرين من زملائي في مركز ابن خلدون السجن «من سنتي 2000 إلي 2003» إلي أن برّأتنا محكمة النقض، وأقرت بحقنا الدستوري في مُراقبة الانتخابات. وحقيقة الأمر أن لسان حال آل مبارك يوحي بمقولة «دعونا نُزوّر في هدوء وكتمان، دون أن يضبطنا أحد»! فالرقابة علي الانتخابات، سواء كانت محلية أو دولية، هي بمثابة «الضبطية القضائية»، بلغة القانونيين، ولا يُريد طبعاً أي من آل مبارك أن يكون خاضعاً لمثل هذه الرقابة. ومن أغرب طرائف الفلكلور الشعبي المصري عن الانتخابات المقبلة هي ما يُردده البعض أنهم سينتخبون آل مبارك لأنهم نهبوا كل ما يمكن نهبه بالفعل، ولذلك فإنهم اكتفوا وشبعوا. أما أي بدائل لهم فإنهم سيبدءون نهب مصر من جديد!!! طبعا، هذا «عُذر أقبح من أي ذنب». ولكن من حُسن الحظ أن معظم شباب مصر لا يقبلون هذا المنطق «التبريري التواكلي»، بل علي العكس يتشوقون إلي التغيير. لذلك نراهم يهرعون إلي تأييد الوجه الجديد الذي ظهر علي الساحة المصرية مؤخرا، وهو الدكتور محمد البرادعي، صاحب الخبرة الدولية الواسعة، والذي لم تتلوث يده بمُمارسة الفساد، التي يتحدث عنها القاصي والداني في أرض مصر المحروسة. ولعل هؤلاء الشباب يكونون عماد «حملة المليون مُراقب»، للحفاظ علي حقوقهم الدستورية في اختيار من يُريدونه، سواء لمجلس الشعب «أكتوبر 2010» أو الرئاسية (2011) بإرادتهم الحُرة. ولهم أن يُدركوا أن إخوانا لهم من الجاليات المصرية بالخارج، سيُدعمونهم معنوياً ومادياً من أجل انتخابات حُرة ونزيهة. فإذا كان نظام آل مبارك يستميت في رفض الرقابة الدولية، بدعوي الحرص علي السيادة الوطنية، التي كانوا هم أول من فرّط فيها لقوي خارجية، مُقابل دعمها للبقاء في السُلطة، أو لمُباركة سيناريو التوريث، فعلي المصريين إفساد مُخطط آل مُبارك بشن حملة مُراقبة شعبية نشطة. إن المطلوب من آلاف من كتبوا لنا، كمتطوعين لحملة المليون مُراقب، أن يستعدوا للتدريب في أوائل يونيه، علي مهارات الرقابة علي الانتخابات، والتي سيبدأها مركز ابن خلدون، واتحاد المحامين الليبراليين، ومن انضموا إليهم من حركة كفاية وحركة عرب بلا حدود، وحركة شباب من أجل التغيير. وسيكون برنامج التدريب المُدِربين كالتالي: الأسبوع الأول من يونيه: في مُحافظات مصر العُليا أسوان وقنا وسوهاج وأسيوط، والوادي الجديد. الأسبوع الثاني من يونيه: في مُحافظات مصر الوسطي المنيا، وبني سويف، والبحر الأحمر، والفيوم، والجيزة. الأسبوع الثالث من يونيه: في مُحافظات القاهرة، والقليوبية، والمنوفية، والشرقية. الأسبوع الرابع من يونيه: في مُحافظات القنال، ودمياط، والدقهلية، وكفر الشيخ، والغربية، والبحيرة، والإسكندرية، ومطروح. كذلك لا بد أن يُهيئ المتطوعون أنفسهم لمضايقات أمنية لإثنائهم عن المُشاركة. ولكن «الله مع الجماعة». فالأجهزة الأمنية قد تستطيع أن تُرهب بعض الناس بعض الوقت، ولكنها لا تستطيع أن ترهب كل المراقبين كل الوقت. فمن أين لهذه الأجهزة بمليون «مُخبر»، و«ضابط»، و«كلب بوليسي». كذلك فإن مُعظم من يعملون في هذه الأجهزة الأمنية، من ضباط ومُخبرين وجنود، هم مصريون أيضاً، ولا بد أنهم رأوا بعيونهم أو سمعوا من ذويهم أو قرأوا في الصُحف المُستقلة مثل «المصري اليوم، والدستور، والشروق» عن قصص الفساد والإفساد، والاستبداد والخراب الذي حاق الكثير من مؤسسات المجتمع والدولة. ولا بد أن يوجّه قسط من مجهود المتطوعين للعاملين في هذه الأجهزة الأمنية وذلك عن طريق توجيهه لهم رسالة بسيطة فحواها: «أن ما نفعله هو من أجلكم، ومن أجل مصر حُرة وديمقراطية». وحبذا، لو فعل بعضهم مثلما كان يفعل النشطاء في الفلبين، في أواخر عهد الطاغية فرناندو ماركوس، فقد كانوا يحملون أغصان زيتون، وزهوراً وينثرونها علي جنود الأمن المُدججين بالسلاح، ويرددون «نحن إخوة وأخوات لكم... ومعركتنا ليست معكم، ولكن ضد المُستبد الذي طغي، وعاث في الأرض فساداً». وأخيراً، فاجأتنا، ونحن في منتصف هذا المقال، أنباء إجراء جراحة للرئيس حسني مُبارك في أحد مستشفيات هايدلبرج الألمانية. فندعو له بالشفاء وطول البقاء، ولكن خارج السُلطة، التي لا بد أن تكون قد نالت من صحته كثيراً خلال الثلاثين سنة الأخيرة. لقد فوّض الرجل رئيس الوزراء للقيام ببعض مهامه الرئاسية، أثناء غيابه. ويظل لنا لدي الرئيس رجاءين، ربما يُلبهما هذه المرة وهو في مرحلة النقاهة: الرجاء الأول: تعيين نائب لرئيس الجمهورية، حتي لا يظل ثمانين مليون مصري قلقين علي مُستقبل وطنهم. الرجاء الثاني: هو ألا يكون لدي هذا النائب المُنتظر، ابناً ذكراً، ينشغل المصريون بسيناريوهات توريثه الحُكم، مثلما انشغلوا طوال السنوات العشر الأخيرة بموضوع توريث ولدكم جمال الحكم. فهل تستجيب لنا، أيها الرئيس، ولو مرة واحدة، بعد طول عنادك لنا علي مدي أربعة عقود؟ اللهم أسمعه رجاءينا! ووفقه للاستجابة للرجاءين، فيرحمنا، لترحمه في الآخرة، وأنت خير الراحمين.. آمين.