انتهى الدستور، لينتقل الصراع من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وربما من مكان إلى مكان آخر، وإن ظلت صفحات الفيسبوك هي الأرض الثابتة التي يتنافس عليها الفريقين في كل مرحلة، أحياناً بجمهور وأحياناً بدون جمهور، وأحياناً أخرى بحضور الشماريخ فقط، لكن في النهاية تكون الغلبة لأحد الفريقين، والخسارة لوطن ضج بالواقع المرير الذي يعيشه، وشعب كفر بالديمقراطية وكفر بالدين وكفر بالمدنية وكفر مصيلحة هي السبب. انتهى الدستور لتبدأ المعركة السياسية بين التصويت ب "نعم" والتصويت ب "لا"، بين قبول دستور يصفه البعض بالجيد والعظيم، ورفض دستور يصفه آخرون بالمتحيز والمسلوق، بين قبول الدستور هرباً من الإعلان الدستوري، ورفض الدستور عنداً في جماعة الإخوان، بين أشخاص يريدون حقاً المصلحة العامة (بغض النظر عن نتيجة التصويت)، وأخرون يريدون المصلحة الخاصة (بغض النظر عن نتيجة التصويت).
لن يكون مقالي هذا وسيلة رخيصة لتوجيه (أو اجبار) القارئ على أحد الاختيارين، لكنه قد يكون وسيلة نزيهة لتوضيح الطريق الأمثل للاختيار الأمثل، قد يكون وسيلة لهدم نظرية "النتيجة معروفة مسبقاً" المتبعة سابقاً ويروج لها حالياً، قد يكون وسيلة لاقناع البعض بعدم جدوى المقاطعة، والأمر لا يحتاج إلى عصر ليمون هذه المرة، فبيدك الاختيار، وفي عقلك القرار، وفي ضميرك الصواب، الأهم ألا يكون في جيبك الثمن.
من حقك رفض الدستور، الأهم امتلاك حجة قوية على هذا الرفض، مواد كارثية تثبت تحيز الدستور لكيان ما، أو تسببه في هلاك الدولة وشعبها، قصور قانوني يوضح العبث الذي كان يحدث في الجلسات، لكن من غير المنطقي (مع أنه يظل حقاً لك) رفض الدستور لأن كيان واحداً كتبه، من غير المنطقي رفض الدستور لأنك لا تقبل منهم كتكوت باعتبارهم "الحداية"، قبل أن ترفض إقرأ، حلل، ناقش، ثم فكر بعقلانية في اختيارك.
من حقك قبول الدستور، الأهم امتلاك برهان قوي على هذا القبول، ايضاح أن المواد متوازنة خالية من الثغرات، ايضاح مدى قابلية الدستور لنقل الدولة من التصنيف الثالث للثاني، ايضاح أنه يؤسس لحياة ديمقراطية سليمة، لكن من غير المنطقي (مع أنه يظل حقاً لك) الموافقة على الدستور عنداً في تيار معارض، من غير المنطقي الموافقة على الدستور لأنك مجبر، من غير المنطقي الموافقة على الدستور عمياني، قبل أن توافق إقرأ، حلل، ناقش، ثم فكر بعقلانية في اختيارك