وأنا فى قطر لحضور مهرجان «الدوحة ترايبكا» خفت تماما الحديث عن السينما ولم يبق شىء سوى الحديث عن مصر وما يجرى على أرضها. هل صارت مصر شطرين؟ هل عدنا مرة أخرى إلى زمن مبارك؟ المصريون الذين ألتقى بهم يبدو على ملامحهم الخوف من القادم بعضهم كفر بالثورة، وبدا هناك من يردد وماله مبارك كانت البلد ماشية؟!
أجندة سيطرة الإخوان هى الهدف الآن للسلطة التى تحكم، أعتقد أن أكبر خطر يهدد الثورة هو أن نستمع إلى من يرى أن استمرار زمن مبارك وتوريث الحكم لجمال كان هو الأفضل للوطن.
هل صارت مصر بين ثلاثة اختيارات، إما أن ترضى بالإخوان ومخططهم الشرير لتحجيب مصر وفرض الشريعة بالقوة، الرئيس مرسى عن طريق مستشاريه بدؤوا فى تهيئة المناخ للوصول إلى هذا الهدف، التغييرات الحادثة فى الإعلام واحدة من الأسلحة التى تمهد الأرض لهذا الطغيان الكاسح للعناصر الإخوانية والهجوم على الإعلام بدعوى التطهير وجه آخر للصورة. ذهاب مناصرى مرسى إلى قصر الرئاسة بات أحد معالم تقسيم الوطن وأيضا أحد مظاهر التأكيد على أن الإخوان لا يملكون الأغلبية.
عودة مبارك مجددا بالتأكيد مستحيلة، ولكن استنساخه من خلال أحد الوجوه التى تآلفت مع الثورة وتوحدت أيضا مؤخرا مع قوى تريد إزاحة مرسى واحدة من الحلول الممكنة، ولكنها ولا شك سوف تؤدى إلى دمار شامل، لأنه حتى من تحالف فى نقطة واحدة مع هؤلاء وهى إزاحة الإخوان عن الحكم والإطاحة بمرسى لا يمكن أن يوافق على أن يصبحوا هم البديل. يبقى الحل الثالث الذى نتحسب له جميعا وهو نزول الجيش مجددا إلى الشارع بغرض تهدئة الأوضاع والسيطرة عليها بعد أن انتقل الصراع إلى العديد من المحافظات، وباتت المعركة مباشرة ضد أبناء الوطن. إذا نزل الجيش فلن يعود هذه المرة إلى ثكناته، بل سيواصل البقاء وتعيش مصر مجددا تحت حكم «الكاكى» وبالمناسبة فى حالة تردى الأحوال الأمنية، ليس من المستبعد أن ينزل الجيش تلبية لمطلب جماهيرى.
بقدر ما نرفض التزمُّت الدينى نرفض أيضا أن يحكمنا عسكريون ونتصدى بالتأكيد للفلول الذين رأيناهم الآن فى أكثر من موقع، وهم يستعدون للانقضاض بعد أن باتت أو على الأقل تبدو أن الفرصة باتت مواتية. الوجوه الإخوانية سواء كانت فى حزب الحرية والعدالة أو خارجة عن الحزب تستطيع أن تشعر بوجودها فى الإعلام، خصوصا الرسمى وهو ما يجعل نداء الشعب يريد تطهير الإعلام يتوجه فورا إلى الإعلام الرسمى الذى صار بحاجة بالفعل إلى إزاحة الكثير من الوجوه، وأولها وزير الإعلام الذى نراه فى كل قراراته، وهو يؤكد أنه آخر من يصلح على أرض المحروسة ليس لقيادة الإعلام ولكن لمجرد العمل بهذه المهنة.
الخطوة الرئيسية التى يجب أن يتخذها الرئيس هى استبعاد أغلب هؤلاء المساعدين والمستشارين. أتصور أن اختيارهم حمل الكثير من العشوائية وهم بلا دراية ولا موهبة، وبعضهم نعرف جميعا كيف كان متملقا ليس فقط لمبارك وابنه، بل لكل القيادات المتعاقبة والقريبة من نظام الحكم، لكنه عندما لمح أن قطار الإخوان يتجه إلى قصر الرئاسة سارع بالشعبطة، والأمر لا يحتاج إلا إلى أن تظهر إعلاميا وأنت تصلى وعندما تحج تسارع بنشر الخبر فترضى عنك الجماعة. هؤلاء المتلونون تجدهم فى كل العهود ويأكلون على كل الموائد.
لا شىء من الممكن أن يوقف الغضب الشعبى، ولا يكفى التراجع عن الإعلان الدستورى، ولكن يجب إعادة هيكلة الدولة للحكم المدنى.
إقالة النائب العام كانت ولا شك أحد مطالب الثورة التى لا أتصور أن هناك من هو على استعداد لكى يفرط فيها ولكن إعمال القانون هو الهدف الأسمى.
إذا اخترقت القانون مرة بدعوى إقرار العدل فما الذى يمنعك فى المرة القادمة من اختراقه للاستبداد بالرأى.
الدولة الإخوانية التى يُعَدُّ لها الآن لا أتصورها قادرة على حكم البلاد، لأنها ببساطة لا تعبر عن إرادة المصريين، بل إن وصول الإخوان للسلطة أدى إلى أن من كانوا يقفون على الحياد، ولا يدرون هل هم مع الدولة الدينية أم أنها تحمل الدمار لمصر؟ هؤلاء الآن حددوا موقفهم، قائلين لا لأخونة الدولة. ليس أمام مرسى سوى الطوفان أو أن يتراجع وتنزل كلمته الأرض أيضا هذه المرة «شكلها ح تنزل المرة دى»!