مصر قبل 25 يناير هى مصر بعد 25 يناير! الكوارث.. الدماء.. الصراخ.. التوك شو، الفيس بوك.. وأحيانا استقالات أو إقالات.. ودائما كذب وتلفيق وهروب من المسئولية.. ويبقى الوضع على ما هو عليه. أى أحد يقول مصر اتغيرت فهو حالم أو كاذب، وفى كل الأحوال معزول عن الشعب المصرى الذى يرى أن موت أطفاله فى الكارثة هو قضاء الله، ولا أحد يعترض على قضاء الله، ولكننا نعترض على إهمال البشر الذى استشرى فى المصريين من الخفير إلى الرئيس.
رصدت جريدة الوطن حوادث القطارات بدءا من عام93 وحتى عام 2012، تسعة عشر عاما شهدت تسع عشرة كارثة، فإذا مر عام بدون كارثة عوضه العام الذى يليه بثلاث كوارث.. وقبل أن تنتهى 2012 أدمت قلوبنا بأربع حوادث غطت دماؤها وأشلاء أطفالنا قضبان السكة الحديد وأحجار طرقاتها واختلط اللحم بالكراسات والكتب.
الحوادث لا تخرج عن تصادم القطارات ببعضها أو خروجها عن القضبان أو اصطدامها بسيارات أو دهس مجموعة من المشاة وأخيرا حرائق داخلها.. وأسفر ذلك عن استقالة ثلاثة وزراء نقل وإقالة ثلاثة رؤساء للهيئة وحبس سائقين وعمال مزلقان ومراقبى أبراج.
هل فكر أحد من الذين يصرخون لماذا تتكرر الكوارث والحوادث رغم تكرار نفس الإجراءات؟
لا أحد فى مصر يفكر ولا أحد فى مصر يعمل الكل يصرخ وقت المصيبة ثم يهدأ ويعود إلى حياته وروتينه اليومى وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال فى عينيه.
الوزير ورجاله يجلسون على مقاعدهم فى الوزارة، والمراقبون يذهبون إلى المواقع ويكتبون إن كل شىء تمام، وقليل منهم يكتب الحقيقة ولكن لا أحد يقرأ أو يتحرك، والسائقون يشتكون من قلة المرتبات وبعضهم يستعين على ذلك ببعض المخدرات، وعمال المزلقان أو التحويلة أو البرج يتركون أماكن عملهم أو ينامون والسلسلة مقفولة أو مفتوحة، الكل يعدى.. الكل يعدى.. الكل يعدى القطارات والسيارات والبشر.
هل هناك خطط ومشاريع لتطوير السكة الحديد فى مصر، بالتأكيد نعم.. هل هناك خطط ومشاريع لصيانة القطارات والمزلقانات والقضبان فى مصر؟ بالتأكيد نعم، ولكن التمويل غير موجود والضمير غائب.. التمويل يكاد يكفى المرتبات والحوافز والبدلات والضمير يأخذ مسكنات الهموم اليومية ومهدئات المخدرات، لأن كل هدف الناس فى مصر هو تمضية اليوم أو الشهر أو العام مستعينين على ذلك بالصلاة والصبر والبعد عن التفكير والعمل والابتكار والإبداع رغم أنها من مبادئ الشريعة الإسلامية والمسيحية وأى دين أو أى أخلاق.
مع غياب الضمير يبدأ سيل من الأكاذيب والتغطية على الأخطاء والهروب من المسئولية، فبينما يؤكد الأهالى على عدم وصول سيارات الإسعاف والشرطة قبل ساعات، وعدم وجود أسرة وأطباء فى استقبال المستشفيات، وعن عدم وجود أدوية ضبط قلوية الدم وأمصال تقوم بعمل الطحال، خرج البيان أو المسئول ليؤكد أن الإسعاف والشرطة وصلا وأن المستشفيات فى كامل استعدادها وأن كل شىء مضبوط، والحقيقة أن المضبوط هو الإهمال والتقصير والكذب وغياب الرؤية والضمير وعمى العيون والقلوب.
لماذا سكت الأهالى على تكدس أطفالهم فى أوتوبيس حمولته أربعين ويحمل سبعين؟ ولماذا سمح المعهد الأزهرى الذى يعلم الدين بهذا الغش والخداع؟ ولماذا تركوا المزلقان وعامله فى إهمالهم اليومى؟ لماذا يكذب الوزير والمسئول ومدير المستشفى ليغطى على فشل من هو أعلى منه فى المنصب والمقام؟
الجميع.. الجميع لا يقومون بعملهم وواجبهم معتمدين على ستر الله، ولكن الله القادر القدير يفضح سترهم وكذبهم وإهمالهم وتقاعسهم عن أداء عملهم، حتى يغيروا ما بأنفسهم وهم لا يتغيرون.
الخمسون زهرة الذين قطفت أعمارهم استراحوا من العيش فى بلد لا يحمى أولاده، استراحوا من المستقبل المظلم الذى كان سيعرضهم للموت ألف مرة بماء ملوث وغذاء مسرطن ومستشفيات بلا علاج، وشوارع بلا أمان وزواج قاصرات وطابور بطالة يجبرهم على الهروب على مراكب الموت.. اختلفت الطرق والموت واحد.
مصر ما اتغيرتش يا ولاد.. لأننا لم نتغير.
ومصر بعد 52 هى هى مصر قبل 52 يناير لأن الوجوه تغيرت أما العقول والقلوب فكما هى، والضمير غائب غائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله!