أحس أن هذه الأيام أصعب أيام عشتها في حياتي، وأعتقد أنك عزيزي تشاركني ذات الإحساس، فالحال في مصر من سيئ إلى أسوأ، والحال في سيناء وغزة من سيئ إلى أسوأ، والحال في سوريا من سيئ إلى أسوأ، خلينا في مصر.. لا نستطيع، فالظروف مترابطة ومتناغمة، والحوادث مترتبة كلٌ على أخرى، والمتأمل للأحوال يصاب بالحَيرة والشك في كل شئ، وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة؛ ينبغي علينا أن نقف مع أنفسنا للتأمل. الحادث الكارثي الذي أودى بحياة أكثر من خمسين طفلا على مزلقان القطار في أسيوط أدمت قلوبنا، وبدأت أبواق الإعلام في الشتيمة والسباب، واتهام حكومة الدكتور قنديل بأنها السبب، وإلصاق تهمة القتل بالرئيس مرسي، والعجيب أن الجميع ممن سلكوا هذا المنهج يعلمون علم اليقين أن المتسبب ليس قنديل أو مرسي، وإنما هو الإهمال والفساد اللذين طالا كل شئ في حياة المصريين عبر ثلاثين الأعوام الفائتة، ومما طالا مرفق النقل العام بكل ما فيه؛ القطارات والمترو والترام والأوتوبيسات والنقل البحري، وما أكثر ما عانى المصريون من فساد هذاالمرفق الحيوي، فمن يتحمل المسؤولية ؟
نني أشبّه الحالة المصرية هذه الأيام، بشقة على النيل في جاردن سيتي، المنظر من شرفتها خرافي، والمبنى رائع على قِدَمه، وكل من يراها يردد: الله على جمال هذه الشقة، أكيد صاحبها عايش في نعيم ! ولكن هذه الشقة مؤجرة بالقانون القديم، ولا يستطيع صاحبها الدخول إليها، ولا يحق له المطالبة بها أو استغلالها، فالقانون القديم يحمي ورثة مستأجرها منذ عهد عبد الناصر، فإن نظرنا إلى مصر الآن؛ فسيتبين لنا أن نظام مبارك بكل قوانينه لا يزال يحكم مفاصل الدولة وجميع أجهزتها، ولن يستطيع الدكتور مرسي أن يفعل شيئا، وسيبقى عاجزا نفس عجز مالك شقة جاردن سيتي، إلا أن يتخلص فعلا من أركان النظام السابق.
ولأن الرئيس مرسي هو رئيس كل المصريين، ولأنني أتوسم فيه اعتبار من قضوا في حادث القطار أبناءه، فأنا أطالبه بأن يختصم أمام القضاء الأشخاص الآتين بأشخاصهم وصفاتهم:
لرئيس السابق، وأعضاء لجنة سياسات الحزب الوطني المنحلّ، وأعضاء مجلسي الشعب والشورى السابقين والحاليين، وجميع رؤساء الوزارات السابقين والحالي، وجميع وزراء النقل والمواصلات السابقين والحالي، ومديرو إدارات الطرق السابقون والحاليون، ورؤساء السكة الحديد السابقون والحاليون، ورؤساء المدن والأحياء السابقون والحاليون، السابقون ممن تولوا المسؤولية خلال ثلاثين الأعوام السابقة؛ جميع هؤلاء متهمون بصفاتهم وأشخاصهم في هذه القضية، فقد كانوا؛ ولازالوا يتلقون مرتباتهم ومخصصاتهم ومكافآتهم مئات الآلاف والملايين ليقوموا بواجبهم؛ فلم يقوموا به، وعُلقت في أعناقهم مسؤولية رعيتهم لثلاثين عاما؛ فأهملوها وتنصلوا منها.
وستكون الكارثة محققة حين تعلن جهات التحقيق عن (الفورمة) المعتادة، عامل التحويلة وعامل المزلقان، وسائقي القطار والأوتوبيس، هم كباش الفداء لفساد النظام، وهذا هو ما نتوقعه من (القانون القديم).
وكلمة أبعثها للشهداء في برزخهم: يا أبناءنا ضحايا حادث أسيوط، أرجوكم لا تسامحونا، واختصمونا أمام الله، فلعل اختصامكم لنا أن يطهرنا، فنحن الذين سكتنا طوال هذه السنوات، ونحن الذين خرسنا أمام من أفسدوا حياتنا، وتعامينا عن فسادهم، ومشينا جنب الحيط، ونحن الذين ذبحناكم بخضوعنا وبقبولنا أن تُدَقَ رقابكم، وتُمزق أجسادكم الرقيقة، بينما نحن أحببنا حياة الضرب على الأقفية لستين عاما.. إسلمي يا مصر.