قالت لي: زمانكم.. كنتم بتقولوا: «الفقر مش عيب». قلت لها: زماننا.. كنا بنعتبر الثراء «عيبًا». كان الغني بالميراث «عيبًا». والغني بالمكسب السريع «عيبًا». والسمسرة، بل حتي التجارة مهن لا تدعو للفخر. كنا نحترم أستاذ الجامعة حتي لو كان لا يملك إلا بدلة واحدة. وكان أبي مستشارًا ورئيس محكمة استئناف، يذهب إلي باب الخلق بمترو الدراسة ويكمل المسافة من محطة المترو إلي المحكمة سيرًا علي الأقدام. وكان يكمل باقي مصاريف البيت من بيع ميراثه قطعة وراء قطعة. وكنت ومازلت، أفخر بأنه أبي، وأفخر بأنه قاض عادل شريف، لم يستغل منصبه ولا مرة واحدة. قالت لي: لو كان أبوكِ عايش في زماننا كنت أنتي أول واحدة هتقولي له ما يصحش تركب المواصلات، ويمكن كنتِ تطلبي منه يجيب لك أنت نفسك عربية، علي الأقل كان هيبقي مطلوب منه يجهزك جهاز يليق بابنة مستشار، ولو كنتِ ولد كان هيبقي المطلوب شقة بأكتر من ربع مليون. قلت: أبويا ساعدني في الجهاز بحجرة النوم، وكنت معتبرة أنه تفضل وكرم زائد منه، لأنه علمني وكان المنطقي أن أجهز نفسي. قالت: أيوه أيام ما كان العلم سلاح في إيد البنت. وقالت: أنا كنت غبية.. متأخرة أوي عن زمني.. كنت فاكرة إن العلم سلاح وقيمة ووجاهة اجتماعية.. عملت كل اللي أقدر عليه عشان أتعلم، الحقيقة عملت المستحيل. لو عرفتي الظروف اللي اتعلمت فيها، لو شفتي حتي المدرسين اللي علموني هتتأكدي إني حفرت الصخر. لو حتي مشيتي المسافة اللي كنت باقطعها للمدرسة، وبعدين للجامعة، يا ريتني كنت فضلت قاعدة ورا الجاموسة علي الأقل ماكنتش أحس بالمرار ده. قالت: أنا ماعرفش إجلال خليفة، لكن أعرف فتحية العسال كنت فاكرة إني هاكون زيها وأحسن. قالت: مش ممكن يكون في الزمن ده فتحية العسال ولا إجلال خليفة. قلت بصوت أجوف وبلا روح: مش مهم الزمن يا هناء ومش مهم الناس، المهم إحساسك إنت بنفسك، إحساسك بجهدك، إحساسك بقيمتك. قالت بافتعال: أيوه المهم أمي، أمي شايفاني أحسن واحدة في الدنيا، خلاص كفاية عليَّ أمي، ساعات كتير بأقول أقعد جنبها في البيت وكفاية، تقولي انزلي شوفي شغلك يا أستاذة. مسكينة هي كمان عايشة في زمنك.. زمن «والله زمان يا سلاحي».