لم تكن ابتسامة ابنة أمى كسابقتها فى الأيام الخوالى ، كانت خاوية ، كانت من فيها دون قلبها ،ابتسامة لا تنم عن شىء قط وإنما دار بها غموض تجلى فى سواد عينيها وكأنها كانت تعلم ما سينزل بنا . ذلك اليوم أصرت أن تبتاع لى حذاءا رياضيا جديدا بمناسبة عيد الفطر ، كانت تصر أن "نايك" هو اسم الشركة الأمريكية التى نقوم بتصنيع الحذاء ودائما ما كنت أصر على أن نطقها الصحيح هو نايكى وليس نايك . كانت طائرتى الورقية الزرقاء تحلق بعيدا وتعانق السماء ذات اللون نفسه فلا أراها وأخشى أن أكون قد أفلتها ولكن سرعان ما كانت تظهر فى الأفق بجانب الشمس التى تبعث بأشعتها فوق رأس أختى فتبدو جدائلها كسلاسل الذهب الخالص.
.لم أخبر ديما أن شعرها يروقنى على أية حال فحتى ذلك اليوم ومع أنها حاولت التودد إلى بشراء ذلك الحذاء إلا إننى أصررت على تقمص شخصية أخ ثقيل الظل فى التاسعة من عمره . ارتديت الحذاء الجديد فى المتجر الذى يقع فى حى كفر سوسة نظرا لأن حذائى القديم قد صار باليا وأصابه التهتك ، بعدها خرجنا أنا وديما إلى شارع بغداد . دحجتنى بنظرة غريبة لم أفهم مغزاها إلا وأنا أكتب تلك السطور وقالت "مازن بدك تجرب الشوز الجديد ؟راح اتسابق معك أوكيه ؟" كأى طفل فى مقتبل العمر أجبتها فى خيلاء غادة شعاع السورية الفائزة بذهبية الأولمبياد فى أتلانتا " أنا وأنتى بنعرف أنه أنا اسرع منك كتير يا ديما !"
ركضت كجواد عربى أصيل علم فى مضمار السباق أن الكثيرين يراهنون عليه فظن أنه سيتقاسم أموال الرهان معهم إن فاز ، انفجرت غدتى الكظرية وتدفق الأدرينالين إلى أطراف جسدى ولم التفت إلى الوراء إلا عندما بلغت نهاية الشارع .
بينما أترنح يمنة ويسرة كنشوان ثمل حتى الهذيان من فرط غبطتى بانتصارى عليها صارخا "ديمااااااا قلتلك راح ماحدا يعرف يسبق مازن !" أشحت بنظرى إلى الخلف فإذا بديما تصرخ " أركض يا مازن أركض !!" وجدت ديما غارقة فى بركة من الدماء وقد زاغت عيناها وتشعث رأسها وقد تناوب اثنان من الشبيحة الإعتداء عليها ، فى الأثناء نفسها حلقت طائرة ميج روسية فى السماء فابتلعت الرياح طائرتى الورقية ومزقتها وطارت عاليا ودوى فى أرجاء المكان صوت انفجارات ، لم أعرف أهذا دوى الرصاص أم صوت ألعاب نارية لطفل فى مثل سنى أصر على الإحتفال بالعيد ؟ رأت ديما الشبيحة منذ البداية ولم ترد أن تثير ذعرى فطلبت منى الركض ، لم يكن سباقا ، لم أفز بشىء ! أخرج واحد منهما خمسين دولارا وأعطاها للشبيح الأخر قائلا له أنه مرتب الشهر ...خمسون دولارا أرخص من الحذاء الذى اشتريته للتو ، ألهذا قتل أختى ؟! الحذاء الذى أرتديه أأمريكى الصنع أم صينى ؟ يا ترى هل تصبح بلادى مستودع الأمريكان للمواد الخام أم سوقا تستوعب الفائض من منتجات الصينيين ؟ الأمر سيان فأنا أرتديه دوما حتى عند خلودى للنوم حتى أكون جاهزا للركض .