إذاً فكل ذلك الإستقطاب كان وهماً سُقيناه، و إنحاز بعضنا لطرف، بينما غضب الطرف الآخر لثورتهم فقبعوا في بيوتهم و رفضوا الإنحياز لطرف دون الآخر. و قد ظننا يوم ان تم الإعلان عن الإعلان الدستوري المكمل و يوم إعلان قرار حل مجلس الشعب أن هناك إنقلاباً عسكرياً قد تم بالفعل لتحجيم الإخوان و نزع السلطة التشريعية بالكامل عنهم و لكن سرعان ما أتضح لجموع الشعب أن المظاهر قد تكون خداعة و أن بواطن الأمور قد تحتوي على ما لا يمكن إستيعابه من قبل المواطنين الشرفاء – و أعني هنا الشرفاء بحق و ليس أولئك الذين تبارى إعلامنا في الإستعانة بهم للقضاء على الطرف الثالث مراراً و تكراراًّ !
قرار الرئيس مرسي يوم الأحد 12 أغسطس الماضي لم يكن إنقلاباً آخراً و لكن أكد أنه لم يحدث إنقلاب أول بالأساس. كلها كانت أوراق ضغط تضمن أن ينهي القادة العسكريون خدمتهم دون التعرض لمسائلة أو إستجواب من أي نوع حول الجرائم التي ارتكبت منذ أول أيام الثورة حتى الآن – من أول فتح السجون و حتى مذبحة بورسعيد.
تبارى الطرفان في تبادل الإتهامات منذ زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لمصر، فهذا ينعت ذاك بأنه يستجدي المعونة العسكرية الأمريكية دون النظر للأولويات الوطنية، و ذاك يتهم الآخر عن طريق أبواقه بإستعداده عن التنازل عن جزء من سيناء مقابل نيل الرضا الأمريكي و ترسيخ الحكم الإخواني.
و الحقيقة أن الشعب المصري بأكمله وقع فريسة لأكبر خديعة في تاريخ مصر الحديث عن طريق إستقطاب زائف و تسخين الشارع ليعمل كأداة ضغط لإحراز هدف كل مرة على طاولة المفاوضات.
و كانت الطامة الكبرى عندما إكتنف الغموض إستشهاد 16 جندياً مصرياً في رفح عندما قام مدير المخابرات السابق بالتأكيد على أنه قدم تقريراً حول خطورة الوضع في سيناء قبل العملية ببضعة أيام و لكنه لم يأبه أحداً بالإدارة الحالية بهذا التحذير.
كانت الرسالة التي بدى أن المجلس العسكري يوجهها من خلال الكتاب الموالين له – الرسالة مفادها أن القوات المسلحة وحدها القادرة على تأمين الحدود و أن قرار فتح معبر رفح الذي اتخذته الإدارة المصرية كان من أسباب تلك الكارثة.
الجدير بالذكر أنه بعدما أشيع عن مصادرة صحف تنتقد سياسة الإخوان و إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، أسرع بعض الكتاب المحسوبين على المجلس العسكري إلى التراجع عن آراءهم السابقة خلال العام و النصف الماضيين و كأنهم أدركوا فجأة أن موازين القوى قد اختلت إلى غير رجعة.
أو ربما خدعوا هم أيضأ و اعتقدوا خطأً أنه هناك صراع بين القوتين.
خلاصة الموضوع أن الإدارة الأمريكية راضية كل الرضا عن الوضع كما هو حتى تنتهي من المسألة السورية و ربما من توجيه ضربة لإيران حتى تضمن وجود كتلة قائمة على الإسلام السياسي السني تقوم بالتصدي لما يسمى بهتاناً بالمد الشيعي و لكنه في حقيقة الأمر تخوفاً من المد الصيني / الروسي لا أكثر ولا أقل.