كلما جسدت الممثلة العبقرية «ميريل ستريب» شخصية درامية ما حولتها إلي نموذج بديع من الجاذبية والاحتراف علي الشاشة.. أداؤها العفوي لا تكاد تلمح فيه صنعة الممثل من فرط التلقائية التي تظهر بها أمام الكاميرا، وهي في فيلم «It's Complicated" أو «علاقات صعبة» حسب التسمية التجارية، تقوم بدور أم مطلقة تبدأ في معايشة تجربة الوحدة بعد أن كبر أبنائها الثلاثة، وبدأ كل منهم يشق طريقه في الحياة، وتبدو علاقتها بطليقها «ألك بالدوين» الذي تزوج من فتاة شابة علاقة متوترة وسطحية، فهي كأنثي لم تنس خيانته لها، سواء علاقته بامرأة أخري أو بالتسبب في إنهاء العلاقة الزوجية بينهما. قررت الزوجة بعد طلاقها مقاطعة الرجال والتفرغ لتربية أبنائها الثلاثة، ورغم إلغائها الرجل من مفردات حياتها الخاصة واكتفائها بدور الأم والمرأة العاملة، فإن أحاسيس الأنثي داخلها مازالت تؤرقها.. هي امرأة تجاوزت الخمسين تمتلك مخبزاً للحلويات وتعشق عملها وأبنائها، ولكنها مازالت تفتقد الحب والعلاقة الحميمة مع الرجل، وتأتي في حياتها علاقة مفاجئة تنساق معها كالمراهقة وذلك بعد فترة عزوبية 10 سنوات منذ طلاقها، تستسلم لتلك العلاقة، والمدهش أنها تكون مع آخر شخص تتوقعه وهو طليقها، في نفس الوقت الذي يبدأ المهندس المطلق الذي يصمم لها مطبخًا جديدًا «ستيف مارتن» في التودد إليها. الجنس محور مهم في أحداث الفيلم، ولكنه يقدم بلا ابتذال وفي صورة كوميدية وساخرة ودرامية تماماً، ولا مجال هنا لمقاربة أو مقارنة ما تقدمه الأفلام المصرية الأخيرة من عبط وعبث جنسي بدعوي مناقشة المسكوت عنه في العلاقة بين الرجل والمرأة، وبين ما تقدمه المخرجة وكاتبة السيناريو «نانسي مايرز» من فكر وتناول صادق ومؤثر في فيلمها «علاقات صعبة». في الفيلم حضور تمثيلي عال من مجموعة الممثلين، ولا شك أن أبرز هؤلاء «ميريل ستريب» التي منحت دورها طاقة وحيوية أثرت كثيراً علي أداء من حولها من الممثلين، وقد عبرت بسلاسة عن المشاعر المتناقضة لامرأة في مرحلة حساسة من حياتها تعاني فيها أزمة احتياج امرأة ناضجة يخفت جمالها خلف تجاعيد الشيخوخة إلي مشاعر الحب والاهتمام من الرجل رغم أنها عملياً تعاني خوف خوض التجربة مرة أخري بعد فشل أهم علاقة في حياتها وهي العلاقة التي أثمرت ثلاثة أولاد، تأتي علاقتها بزوجها السابق والد أولادها حلاً سحرياً لمشاكلها ولمشاكل الأبناء الذين عانوا من مشكلة انفصال أبويهما ومازال ألم معاناتهم حاضراً، وقد ظهرت الكاريزما بين «ميريل ستريب» و«ألك بالدوين» واضحة بصورة كبيرة، ولا شك أن خفة ظل «ألك بالدوين» ساهمت في تحقيق الحالة الكوميدية للفيلم، وكانت دماثة أداء «ستيف مارتن» معبرة رغم أن دوره صغير بصورة ملحوظة، وكاد أن يتحول لضيف شرف، حيث ركزت الأحداث علي الزوجة وطليقها بصورة أكبر، أيضاً يبرز الحضور الكوميدي للممثل «جون كرازينسكي» في دور زوج الابنة الكبري، ورغم أن الفيلم احتوي كثيرًا من مشاهد كوميديا الفارس مثل مشهد اللاب توب في غرفة نوم «ميريل ستريب» أو مشهد زوجة الابنة في قاعة الفندق الذي يتواعد فيه حماه وحماته خلسة، فإن الكوميديا داخل الفيلم لم تنجرف إلي الابتذال، وحرص الفيلم علي ألا يهدر القيمة والمعاني التي يسعي إليها، وأهمها أن الإنسان مهما بلغ من عمر وخبرة وتجارب هو بشر لم يفقد مشاعره ولم تمت أحاسيسه.