المسلسل يحاول تسليط الضوء على الشعرة بين الإيمان والتدين والتشدد والجهل بالدين يمكن أن نقول بثقة إن مسلسل «الخواجة عبد القادر» من الأعمال التى تنتمى إلى عالم دراما ما بعد الثورة، هناك أريحية فى كتابة عبد الرحيم كمال فى ما يتعلق بالنقد اللاذع لأمن الدولة، ويمكن أن نلمح أيضا بعض الرفق والمهادنة للتيارات الدينية، ورغم أن المسلسل ينتقد التعصب الدينى، فإنه يقدم الشخصيات الملتحية أكثر عمقا وثقافة مقابل غلظة وجهل وسطحية ضباط أمن الدولة. العمل حتى الآن يتعامل مع زمنين، الأول فى الحاضر وهو زمن ما قبل الثورة بأربعة عشر عاما، والزمن الثانى يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية.
فى أحد المشاهد يدخل ضابط أمن الدولة للتحقيق مع الشاب الملتحى، ويسأله عن سبب اهتمامه بقراءة كتب أبو حامد الغزالى وسيد قطب والقشيرى، وهم حسب رأى الضابط إرهابيون وإخوان مسلمون، ويحاول الشاب التوضيح للضابط أن الغزالى وُلِد قبل ألف سنة من نشأة الإخوان المسلمين، يرفض ضابط أمن الدولة كلامه، مؤكدًا أن لديه قائمة بأسماء كل الإخوان المسلمين، ولا يجد الشاب الملتحى أمامه إلا أن يصف الضابط بالجهل، وربما تكون الصورة التى يقدمها المسلسل لضباط أمن الدولة أقرب إلى صورة زوّار الفجر فى الأفلام القديمة فى حقبة السبعينيات رغم أن الأحداث تدور فى نهاية التسعينيات.
المسلسل فى جوهره يتعامل مع فكرة الدين والتصوف من خلال شخصية الخواجة عبد القادر الذى أسلم على يد شيخ متصوّف سودانى فى أثناء إقامته هناك فترة الحرب العالمية الثانية للعمل فى مشروع إنجليزى بأحد المحاجر، ثم يقدم المسلسل قصة موازية فى نهاية التسعينيات. القصة المعاصرة تحاول المقارنة بين التدين والتعصب، رحلة الخواجة عبد القادر من الإلحاد والسُّكر والاكتئاب إلى عالم التصوّف والتقرب من الله هى الأجمل دراميًّا فى المسلسل مع الاختيار الموفق للتصوير فى الصحراء ومع مجموعة متميزة من النجوم السودانيين، ولا يعيب هذه الرحلة دراميًّا سوى النقلات غير الموفقة أحيانا بين الماضى والحاضر، النقلات المفاجئة الكثيرة بين الزمنين تكسر الحالة السحرية للرحلة الإيمانية للخواجة عبد القادر، وربما تصبح هذه النقلات أكثر نعومة مع تطور القصة والأحداث فى الحلقات المقبلة. عبد القادر فى المسلسل ليس عبد القادر واحدًا، بل ثلاثة، الأول هو الرجل الإنجليزى العجوز الذى أسلم وأصبح من أصحاب الكرامات، حتى بنى له أهل الصعيد مقامًا، والثانى هو الشيخ عبد القادر السودانى الرجل الصوفى اللطيف المتسامح الذى أسلم الخواجة على يديه، وعبد القادر الثالث هو ابن محمود الجندى المتدين الذى حاول وشلة من أصدقائه المتشددين هدم المقام الذى بناه أهل الصعيد لعبد القادر الأول.
يحيى الفخرانى الذى يجسد شخصية الخواجة عبد القادر يبدو أكثر جاذبية بعد أن تخلص من الحوار باللغة العربية والأداء المبالغ فيه فى مرحلة وجوده بإنجلترا قبل سفره إلى السودان، فهو يتحول فى الشرق إلى هذا الخواجة العجوز السكير المزعج خفيف الظل الذى يتكلم بلغة عربية مكسرة.