السينما الهندية تحتفل بمرور 100 عام على بدايتها بتكريم الناقد المصري سمير فريد
وصلت نيو دلهى فجرا.. طوال الطريق من المطار إلى الفندق لم يصمت السائق وهو يعدد لى مميزات نيودلهى، وكأنه يتحدث عن مفاتن امرأة يحبها، مستشهدا بما أراه من نافذة السيارة.. ناطحات سحاب وميادين ضخمة "تملا العين" وحدائق وأشجار فى شوارع هادئة واسعة مخططة بانتظام تسر النفس وتبهج الروح، لكن عين مواطنة مثلى قادمة من مدينة التناقضات الكبرى "القاهرة" لا تنخدع أبدا ب"وش قفص" المدن الكبرى.. القاهرة علمتنى ألا أنبهر بالأضواء والبنايات العالية.. الانبهار لا يكون إلا بالبشر. سرعان ما كشفت نيو دلهى عن وجهها الحقيقى.. فى الصباح شاهدت المدينة على حقيقتها دون مكياج يزيف تفاصيلها أو يجمل القبيح فيها.. كل هذه البنايات والناطحات والحدائق الغّناء مصنوعة بهذه الفخامة والجودة والحرفية كى تخفى وجها بائسا لمدينة أخرى تفوق القاهرة ازدحاما وتنافسها فقرا وتتغلب عليها تلوثا، لكن نيودلهى عندما تنافس القاهرة، فإنها تفخر وتباهى بتعدد وتنوع أعراقها ودياناتها وثقافاتها، وتغيظ القاهرة برحابة صدرها وقدرتها الفائقة على تقبل الآخر شكلا من حيث الزي ولون البشرة، وموضوعا من حيث الدين والعرق والموطن، كما أن دلهى التى يسير فيها التوك توك بجوار المرسيدس فى الشوارع الكبرى، تضرب القاهرة بالقاضية عندما تفاخر بصناعة "التوك توك" نفسه.. هذا الاختراع الذى يناسب قطاعا عريضا فى المدن الفقيرة الضخمة، وتعد القاهرة أكبر مستورديه من الهند، ومازال وسيلة مواصلات غير مرخصة فى مصر! تعلن دلهى عن اختراعها وتنشره وتصدره وتقنن وجوده فى شوارعها، بينما تستورده القاهرة وتخفيه فى شوارعها الجانبية دون تفنين، حتى أصبح عنوانا للجريمة وتجاوز القانون!
نيو دلهى مدينة ضخمة واثقة قوية.. تنكر البؤس والفقر فى العلن، وتعالج مشاكل البؤساء دون ضجيج، والقاهرة مدينة ضخمة تحمل بؤس سكانها فوق رأسها وتمارس تجريس نفسها وتجريس فقرائها فى السر والعلن. التجول فى شوارع الهند هو مغامرة فى حد ذاته، فهذا التنوع العرقى صبغ وجوه الناس بتقبل الغريب والتعامل معه ولو بالإشارة.. لن يعانى الزائر للهند من مشكلة اللغة أو عدم الفهم والتفاهم.. الوجوه المرحبة مختلفة.. سمراء وبيضاء.. شرقية وقوقازية.. آسيوية وعربية وآرية.. لكل وجه حكاية وماض مرسوم على القسمات.. فى الهند "أم العجايب" كما وصفتها سعاد حسنى بكلمات صلاح جاهين، تفرض الحياة سطوتها على الجميع وتختلط الأعراق بلا تمييز، مع قليل من التوتر بسبب قسوة الحياة على الجميع. سافرت إلى الهند لحضور مهرجان أوسيان سيني فان للسينما الأسيوية والعربية فى دورته الثانية عشر، والذى يعد واحد من أهم المهرجانات السينمائية الآسيوية، فلنترك واقع الهند ومصر المزدحم بالتفاصيل المزعجة، ولنبحر فى عالم الخيال الرحب فى حضرة السينما التى تتسع للجميع دون توتر أو عنصرية. مساء أول أمس تم افتتاح الدورة الثانية عشر من مهرجان أوسيان سينى فان للسينما الآسيوية والعربية، الذى يعرض نحو مائتى فيلم عربي وآسيوى فى أكثر من قسم أهمها قسم مسابقة الأفلام الأسيوية والعربية الطويلة، ويضم 12 فيلما، اختار الأفلام العربية فيه منظم المهرجانات العراقى انتشال التميمى، ويضم القسم افلاما من الجزائر والمغرب والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وإيران ونيبال والفلبين وتايلاند وأندونيسيا وتركيا، ومن المحزن أن لا تشارك مصر فى هذه المسابقة المهمة، والتى أكد القائمون على المهرجان أن مصر تأخرت فى إرسال نسخ الأفلام للمشاركة فيها، خصوصا ان إدارة المهرجان رشحت بالفعل بعض الأفلام للمشاركة! لكن رغم عدم وجود فيلم مصرى فى المسابقة الرئيسية بالمهرجان إلا أن مصر لم تغب عن المشاركة والتواجد فيه، فلجنة تحكيم مسابقة الأفلام الأسيوية العربية تضم المخرج مجدى احمد على، كما أن المهرجان يكرم مصر بعرض الفيلم الوثائقى "مولود فى 25 يناير" للمخرج أحمد رشوان على هامش المهرجان، فى قسم خاص اخترعه المهرجان خصيصا لتحضر السينما المصرية، وسيعرض فيه فيلم "مقهى عادى" للمخرج الهندي ريتيش باترا، وقد تم تصويره فى القاهرة، حول علاقة بين فتاة وخطيبها، وفى القسم نفسه يعرض فيلم "اختفاءات سعاد حسنى الثلاث" إخراج اللبنانية رانيا استيفان.
ليس بالأفلام وحدها تتواجد مصر فى المهرجانات العالمية.. لنا نحن العرب والمصريون ضيوف مهرجان أوسيان سينى فان للأفلام الأسيوية والعربية أن نفخر فى حفل افتتاح المهرجان بصعود الناقد سمير فريد على خشبة المسرح مكرما من قبل المهرجان، وهو المكرم الوحيد فيه، فالمهرجانات الكبرى عزيزة فى تكريمها ولا تحتفى إلا بشخصية او شخصيتين على الأكثر عكس ما يحدث فى مهرجاناتنا. تم تكريم الناقد سمير فريد وحصل على جائزة "إنجاز العمر فى الكتابة السينمائية" وقدرها عشرة آلاف دولار.. المهرجان هذه المرة لم يكرم ممثلا أو مخرجا أو كاتب سيناريو، ولكنه كرم ناقدا طالما تناول الأفلام المصرية والعالمية بالنقد والتحليل. عندما صعد إلى المسرح عبر الناقد الكبير سمير فريد عن سعادته بالتكريم، وألقى كلمة قصيرة قال فيها: إن تكريمه هو تكريم للسينما المصرية التى كتب عنها منتقدا.. مرحبا أحيانا ومهاجما أحيانا، وهو تكريم لكل النقاد فى العالم.. هؤلاء الذين ينيرون الطريق للمشاهد ويعطونه إشارات عما يشاهده من أفلام، وفى نهاية كلمته أشار الناقد سمير فريد إلى رغبته فى أن تستكمل السينما المصرية مسيرتها الإبداعية، بعيدا عن أى تاثر بالتيار الدينى الذى يحكم مصر الآن، قائلا: أنا أحب السينما، واعتبر النقد السينمائي تعبير عن هذا الحب، وأضاف: نحن نواجه فى مصر الآن وضعا سياسيا سيئا واعتقد ان السينما وكل الفنون فى مصر فى خطر حقيقى بسبب حكم الإسلاميين، أنا سأحارب وكل السينمائيين والمحبين اتخذوا قرار الانحياز والحرب لصالح الإبداع والفن.. ليس لدينا أى خيار سوى أن نحارب هذه الأفكار الظلامية لمنع خلط الدين والفن والسياسة بعضهم ببعض. ومازال مهرجان السينما الأسيوية والعربية حريصا على مصر، فالمهرجان سيتعقد ندوة يحاضر فيها الناقد السينمائى طارق الشناوى عن ثورات الربيع العربى. جدير بالذكر أن مهرجان أوسيان سينى فان للسينما الأسيوية والعربية يحتفل هذا العام بمرور مائة عام على السينما الهندية.. ويحتفى بهذه المناسبة بالمخرج الهندى مانى كول ويعرض له 14 فيلما، إضافة إلى قسم مسابقة الأفلام الهندية، ولم ينس المهرجان أن يخصص قسما خاصا ل"حرية الإبداع" يعرض خلاله فيلم المخرج الإيرانى جعفر بناهى ""هذا ليس فيلما" الذى يتناول فيه تفاصيل إقامته الجبرية التى فرضتها عليه السلطات الإيرانية‘ إضافة إلى مشاركة إيران فى المسابقة العربية الأسيوية بفيلم "استقبال متواضع". رغم ضخامة المهرجان، واقبال الجمهور العادى على شراء تذاكر الأفلام، ومشاهدتها وحضور الندوات، إلا ان افتتاح المهرجان كان بسيطا جدا، حيث تم الافتتاح بكلمة ألقتها إيندو شريكفنت رئيسة مهرجان، ثم تكريم الناقد المصرى سمير فريدة واستعراض اقسام المهرجان واخيرا عرض لفيلم الرسوم المتحركة اليابانى Asura، حيث تحتفى دورة المهرجان هذا العام بأفلام الرسوم المتحركة وتم تخصيص قسم خاص لها.