ردا على من يقولون إنها «بدعة» لم تحدث في عهد النبى صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ومن ثم يرددون كالببغاء «وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».. تؤكد فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه «الحلال والحرام في الإسلام» أن من حق المسلمين -كغيرهم من سائر البشر- أن يسيّروا المسيرات وينشئوا المظاهرات، تعبيرا عن مطالبهم المشروعة، وتبليغا بحاجاتهم إلى أولى الأمر. كما أن التاريخ يؤكد أن عهد النبوة لم يخل من المسيرات، ولنعد إلى حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين أسلم، بعد أن دخل دار الأرقم بن أبى الأرقم معلنا الشهادتين، فقال: «يا رسول الله، ألسنا على الحقِّ إن متنا وإن حيينا؟ فرد النبى صلى الله عليه وسلم: (بلى، والذى نفسي بيده، إنكم على الحقِّ، إن متم وإن حييتم). فقال ابن الخطاب: (ففيمَ الاختفاء؟ والذى بعثك بالحق لتخرجن)». وخرجوا مع النبى في صفين: حمزة فى أحدهما، وابن الخطاب في الآخر، حتى دخلوا المسجد.
ويؤكد القرضاوي في فتواه، التى أجازت المشاركة في المسيرات والمظاهرات ما دامت تطالب بحقوق مشروعة، أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ابتكروا أمورا كثيرة لم تكن في عهد النبى صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما يعرف ب(أوليات عمر) وهى الأشياء التى ابتدأها عمر رضى الله عنه، غير مسبوق إليها، مثل: إنشاء تاريخ خاص للمسلمين، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين، واتخاذ دار للسجن، وغيرها.
ودعوى أن هذه المسيرات مقتبسة أو مستوردة من عند غير المسلمين رد عليها القرضاوي، قائلا «إنه لا يُثبت تحريما لهذا الأمر، ما دام هو فى نفسه مباحا، ويراه المسلمون نافعا لهم».
فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، وقد اقتبس المسلمون في عصر النبوة طريقة حفر الخندق حول المدينة، لتحصينها من غزو المشركين، وهى من طرق الفرس، واقتبسوا كذلك تدوين الدواوين من دولة الروم، لما لها من عراقة فى ذلك، وبالمثل ففكرة الدستور، والانتخابات بالصورة المعاصرة، وفصل السلطات، وإنشاء الصحافة والإذاعة والتلفزة، بوصفها أدوات للتعبير والتوجيه والترفيه مقتبسة فى معظمها من الغرب. والمهم أن نأخذ ما يلائم عقائدنا وقيمنا وشرائعنا، دون ما يناقضها أو ينقضها.
أما ما قيل من منع المسيرات والتظاهرات السلمية، خشية أن يتخذها بعض المخربين أداة لتدمير الممتلكات والمنشآت، وتعكير الأمن، وإثارة القلاقل. قال «إنه من المعروف أن قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها، حتى تكون وسيلة للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة، ويكفى أن نقول بجواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة، كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظموها بأن يتولوا ضبطها.
ويشير القرضاوي إلى مبدأ في غاية الأهمية من شأنه أن يقطع الجدل في كثير من الأمور التى يحتار المسلمون في أمرها تقول (الأصل في الأشياء الإباحة)، فلا حرام إلا ما جاء بنصٍّ صحيح الثبوت.