عندما منعت قوات الاحتلال البريطانى ترديد اسم الزعيم الوطنى سعد زغلول كان الوجدان الشعبى حاضرًا بقوة من خلال وسائل دفاع لا تستطيع أن تمنعها الأجهزة القمعية البوليسية، وهكذا أطلقوا على نوع فاخر من البلح اسم «زغلول» الذى لا يزال حتى الآن ينادى عليه البائعون «يا بلح زغلول»!! ومن الواضح أن المصرى الذى لجأ إلى هذه الحيلة فى ثورة 1919 لا يزال يعتبر البلح، خصوصا فى رمضان إحدى أهم وسائل التعبير. وهكذا ومنذ العام الماضى وهو يطلق اسم ثورة يناير على أغلى أنواع البلح بينما احتلت أسماء مساجين طرة أردأها.. صحيح أن الثورة لم تحقق أهدافها، بل هناك غصة فى وجدان الناس لا يمكن إنكارها من الحال بعد الثورة ورغم ذلك فلا يزال للثورة حق الصدارة فى سوق بلح 2012، بينما الفلول كان من نصيبهم البلح الذى ينخر السوس فى كل جنباته!! فى رمضان 2010 كانت الدنيا مزهزهة لرجال مبارك وقرروا أن يلعبوا بالبلح ووضعت أجهزة الدولة الخطة من أجل تسويقه، حيث أطلقت على نوع غالى الثمن اسم «جمال» ولا يمكن تصور أن كل ما هو متعلق بالتوريث وجمال كان مجرد اجتهاد يصيب أو يخطئ.. النظام كان حريصًا على تسويق جمال بكل الوسائل. الأجهزة لم تترك الفرصة إلا وتستخدم كل ما يمكن وما لا يمكن أيضًا لكى تمهد المجتمع لتقبل التوريث ليس فقط كأمر واقع، ولكن باعتباره قَدَرًا لا يمكن الهروب منه إلا بالهروب إليه!! لا تصدق قطاعًا وافرًا من الفنانين والمثقفين الآن وهم يؤكدون رفضهم للتوريث. أغلبهم كانوا سيفعلون بالضبط مثل بائعى البلح سيضعون تحت اسم «جمال» أعلى سعر لتسويقه، مؤكدين أنه مواطن مصرى ومن حقه أن يتمتع بحقوقه الدستورية كافة التى تجيز له الترشح ولا يجوز دستوريًّا أن نحرمه بحجة أنه ابن الرئيس!! لو راجعت الصحف المستقلة قبل القومية ستكتشف أن أغلبها لعب دورًا فى التمهيد لاستخدام سلاح البلح للتمهيد للوريث، حيث أكد وقتها العديد من تلك الصحف أن سعر بلح «جمال» احتل الصدارة، والناس تتهافت عليه ولهذا وصل سعره إلى 15 جنيها.. تلك الصحف هى أيضًا التى تابعت هزيمة جمال فى العام الماضى فى السوق حيث انخفض سعر البلح الذى يحمل اسم مساجين طرة إلى جنيهين، أى أنه بلح جمال وعلاء والعادلى وعز وإخوتهم، وكأن الأقدار ترد إليهم الصفعة صفعتين، بينما فى هذا العام وجدوا أن الأخطر على الثورة هم الفلول وهكذا احتلوا مكانة الأقل سعرا.. كان سوق البلح هو أحد وسائل النظام لتحقيق نقاط فى صالحه وذلك بالتلاعب فى الأسعار!! سوق البلح وتستطيع أن تضيف إليه أيضًا سوق الفوانيس فى رمضان كان يبدو لى وكأنه بمثابة استفتاء جماهيرى تلقائى يكشف توجهات الرأى العام ليس فقط على المستوى الاجتماعى والفنى والرياضى، ولكن أيضا النفسى حيث كان البلح دائما يمنح أسعارا مرتفعة للنجوم الشعبيين فى التمثيل والغناء، وتتغير الأسعار من موسم إلى آخر حسب تقلبات شعبية النجوم مثلا «أبو تريكة» كان الأعلى بعد ذلك احتل «جدو» تلك المكانة.. «نانسى وهيفاء» كثيرًا ما كانتا تتبادلان المركز الأول.. «أوباما» كان يحتل مكانة مميزة فى 2010 لإعجاب المصريين بمواقفه، بعد ذلك هبط سعره مع هبوط شعبيته ومصداقيته. هل تريد أن تعرف ما مشاعر الناس فى العشرين عاما الأخيرة حاول أن تقلب فى أسعار البلح خلال رمضان، حيث إن هذه الموضة عرفناها فى النصف الثانى من الثمانينيات مع حالة النجاح الطاغى وغير المسبوق الذى حققه مسلسل «ليالى الحلمية» قبل عصر الفضائيات عندما كان المصريون يشاهدون فقط القنوات الأرضية وفى نفس التوقيت ومن عام إلى آخر وحققت «نازك السلحدار» الشهيرة بصفية العمرى أعلى درجات النجاح الجماهيرى، خصوصا أن الناس كانت تتابع الصراع الدائر بين العمدة «سليمان الغانم» صلاح السعدنى، والباشا «سليم البدرى» يحيى الفخرانى، وتتابعت أسماء النجمات من عام إلى آخر مثل ليلى علوى ويسرا وإلهام شاهين، كلٌّ على حسب موقعه فى مسلسلات رمضان يرى الثمن الذى يستحقه مرفوعًا على جوال بلح!! ما الذى سيسفر عنه الصراع الرمضانى الآن؟ تابعوا النجوم على الشاشة وفى نفس الوقت تابعوا أسعارهم فى سوق البلح!!