عندما تولى حسنى مبارك الحكم فى عام 1981 بعد اغتيال الرئيس السادات كان جاهلا بالخريطة السياسية المصرية للبلاد.. والقوى الفاعلة فى المجتمع.. حتى عندما ذهب إليه وفد من مجلس الشعب يمثل لجنته العامة وبدأ يتحدث كل عضو عن الأحداث وضرورة اختيار مبارك رئيسا لهذه الفترة.. وكان من بين هؤلاء الدكتور حلمى الحديدى وكان عضوا فى البرلمان عن دمياط وقياديا فى حزب العمل الاشتراكى المعارض وقتها.. فأعجب به مبارك وبحديثه.. معلنا أنه لم يعرف الدكتور الحديدى من قبل -رغم أنه كان مشهورا وحاضرا فى الواقع السياسى بقوة، نظرا للمعارضة المصرية لحزب العمل وغيره من القوى السياسية لسياسات الرئيس السادات.. بما فيها الصلح مع إسرائيل. واستطاع مبارك ومن شدة إعجابه بحلمى الحديدى أن يقنعه بالاستقالة من حزب العمل والانضمام إلى الحزب الوطنى الذى ورثه مبارك من السادات وليصبح أحد قياداته وفى نفس الوقت وزيرا للصحة!
لم يكن أيضا يعرف شيئا عن علاقات مصر الإقليمية والدولية ودورها.. والذى سعى بجهله الذى استمر معه إلى تقزيم هذا الدور من أجل الحفاظ على سلطته بأى شكل من خلال إرضاء القوى الكبرى وإسرائيل.
فلم يكن مبارك يعرف عن المنظمات الفلسطينية شيئا وأتوا له بالصحفى الكبير إحسان بكر ليعطيه دروسا فى الشأن الفلسطينى وتقسيمات المنظمة الفلسطينية وقياداتها.
فالرجل كان جاهلا فى أمور كثيرة.. ربما كان يستثنى من ذلك خبرته الأمنية التى تربى عليها.. وكان يشغله السادات فيها وكان مندوبه فى اجتماعات الأجهزة الأمنية لتجنيد الشباب المصرى للسفر إلى أفغانستان برعاية أمريكية وبتمويل سعودى للمشاركة فى الحرب ضد السوفييت فى ذلك الوقت.
وقد انقلب عليه الشباب الذى سافر وانخرط فى العمل الجهادى.. واستغل هو ذلك فى ما بعد لتعطيل أى مطالب للإصلاح والديمقراطية.. وصفّ كل القوى معه لمحاربة التطرف والإرهاب، خصوصا بعد عودة هؤلاء الشباب لممارسة التطرف وعمليات الاغتيالات، بعد أن عاد الشباب الإسلامى خبيرا فى تلك العمليات نتيجة ممارسته ذلك فى أفغانستان واستغل مبارك ذلك بعقليته الأمنية فى اللعب على الناس.. ومشاعرهم بحثا عن الاستقرار وحفظ الأمن.. واستطاع أن يضعف القوى السياسية.. وأطلق أمن الدولة لتجنيد المعارضين الشكليين الذين عملوا لمصالحهم الشخصية وانشغالهم بالبزنس الخاص.
أقول هذا الكلام الآن لأوضح أن هناك مرشحين رئاسيين الآن أفضل بكثير من مبارك فى أثناء توليه الحكم، فلديهم بعض الخبرات وتفهم للمجتمع واحتياجاته، وذلك رغم برامجهم الإنشائية! وإن كان هناك مرشح يسير على خطى مبارك ولا ينفى هو ذلك ويقول إنه أستاذه ومثله الأعلى وهو المرشح أحمد شفيق الذى من الفجاجة أن يجد الجرأة ليرشح نفسه بعد ثورة قامت للإطاحة بالديكتاتور المستبد الفاسد.. ومن رجاله أمثال أحمد شفيق.
فهو يتسم بالجهل بالقوى السياسية الآن وبخريطة المجتمع على طريقة مبارك عندما تولى السلطة.
وهو يلعب الآن على مشاعر الناس فى الاستقرار وحفظ الأمن بعد الانفلات الأمنى الذى شارك شفيق فيه باعتباره كان من رجال مبارك الذين خططوا لذلك مع عصابة الداخلية لإجهاض الثورة وترويع الناس ومنعهم من الخروج من بيوتهم للمشاركة فى الثورة والمطالبة بإسقاط النظام.
يلعب على مشاعر الناس فى الأمن وهو الذى كان رئيسا للوزراء الذى جرت تحت رعايته موقعة الجمل، فقد كان النظام يريد ذبح المتظاهرين والتخلص من الثوار فى ميدان التحرير وميادين مصر.. فكيف يجد الرجل الجرأة فى نفسه لاغتصاب منصب رئيس الجمهورية فى عهد الثورة، تلك الثورة التى سعى بكل ما يملك لإجهاضها بالمشاركة مع وزير داخليته اللواء محمود وجدى الذى كان وثيق الصلة بزكريا عزمى رئيس ديوان جمهورية مبارك، والذى سيكشف التاريخ ماذا كانت العلاقة الفاسدة بين عزمى ووجدى فى أثناء ما كان الأخير رئيسا لمباحث القاهرة.
وقد كان شقيق وزيرا للطيران المدنى لمدة عشر سنوات، وقد جرى الكثير من عمليات الفساد فى عهده.. ما زال مسكوتا عنه حتى الآن ناهيك بالأراضى التى حصل عليها.. ورعايته لمنتجع أرض الجولف فى التجمع الخامس والذى يقيم فيه كبار القوم من المسؤولين والحكام الآن.
إنه يمثل مبارك فى فساده وجهله.. فكيف يكون حاكما لمصر بعد ثورة 25 يناير التى سقط فيها الشهداء وهو كان أحد المسؤولين عن ذلك؟!